للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أولاً: التنكر

فمنهم من قال: العلم لا دخل له في الفلسفة؛ فنحن في المعمل نبحث عن وجود الأشياء والظواهر العلمية، وكذلك علماء الاجتماع يبحثون عن الظواهر الاجتماعية، ولكن لا شأن للعلم بالفلسفة؛ فنحن لا نبحث لماذا جاء الكون؟ فهذا لا يهمنا.

فهذا سؤال فلسفي وهم يعاندون الفطرة؛ لأنه كلما بحثوا في شيء من الكون؛ يأتيهم

السؤال

لماذا جاء هذا؟ فيعاندون ويقاومون الفطرة بهذا الحل، وهو أنهم يجعلون هذا من مسئولية غيرهم، فالباحث في الأحياء أو الفلك أو الطبيعة؛ لا دخل له بغيره، وغيره هو الذي يجيب على هذا السؤال، أما هو فيجيب فقط عن خواص المادة، وكيف تتركب، وكيف تتكون، وهذا يكون في حدود علمه.

فأصبح الإنسان يجد عالماً فيزيائياً، أو فلكياً -كبيراً- يتكلم عن دقة الكون وعن عجائب النبات، وعن عجائب خلق الله عز وجل؛ فإذا سألته وماذا وراء هذا؟ وكيف نشأ هذا؟ يقول: لا تحول الموضوع إلى فلسفة؛ فنحن نتكلم كلاماً علمياً فقط، وكأن العلم عدو للبحث عن الحقائق الأساسية.

فحالهم هو كما قال بعض العلماء: كمثل الإنسان الذي كان في فناء بيت من البيوت، وهو يرى البيت من بعيد، يعجب به! ويقول: هذا البيت لا بد أن له صاحباً عمله وبناه وهندسه وصرَّفه ودبره، فلما أن دخل هذا البيت كلما فتح باباً قال: الآن أيقنت أن هذا البيت ليس لأحد، ولم يبنه أحد ولا هندسه أحد، فكيف وهو في الخارج يؤمن بأن هذا البيت لا بد أن له مهندساً وأن له مالكاً وله موجداً، ولما دخل ورأى النقوش والزخارف، والتخطيط العجيب الدقيق أنكر؟! فكلما ازداد في معرفة دقة البيت ونظامه وهندسته، يقول: الآن ازددت قناعة أنه ليس لهذا البيت مالك ولا مهندس؟! فهذا هو حالهم! فالإنسان عندما كان أُمياً ساذجاً لا يعرف من هذا الكون إلا المظاهر، يرى السحاب ويظن أنه ملتصق بالسماء، ويرى النجوم ويظن أنها عبارة عن لمبات صغيرة في الكون؛ كان يعتقد أن لهذا الكون إله، ولما تعمق في الكون ورأى المجرات والآفاق البعيدة قال: الآن أيقنت أنه ليس لهذا الكون إله كيف يكون هذا والفطرة والعقل الصحيح عكس ذلك؟! فالعقل الصحيح يقول: كلما تشاهد الدقة تزداد يقيناً بأن الذي صنع هذا أعظم مما كنت تتخيل بكثير جداً، وهكذا نسي أولئك هذا الشيء.