قال شَيْخ الإِسْلامِ: 'أما من أعتقد وجوبها مع إصراره على الترك فقد ذكر عليه المفرعون من الفقهاء فروعاً: أحدها هذا، وقيل عند جمهورهم: مالك، والشافعي وأحمد وإذا صبر حتى يقتل فهل يقتل كافراً مرتداً، أو فاسقاً كفساق المسلمين؟ على قولين مشهورين'.
وهنا كلام طويل للعلماء، فإذا كان رجل يعتقد أنها واجبة ولكنه لا يصلي سألناه وناقشناه فأقر بالوجوب، لكنه يرفض الصلاة؛ فجيء به إلى القضاء وقيل له: تب، أو أدِّ ما افترض الله تعالى عليك، وإلا فاعلم أن جزاءك القتل، وستؤخذ إلى الساحة، ويراك الناس ونفصل هذا الرأس عن هذا الجسد إن لم تصل، فقال: لا أصلي أبداً، فجيء به وضربت عنقه، ففي هذه الحالة ما حكم هذا الرجل؟ فـ شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله يقول: من قال إن هذا فيه خلاف فهو مخطئ قال: ' وهذه فروع فاسدة؛ لأن الصحابة رضي تعالى عنهم لم ينقل عنهم شيء من هذه الفروع، وهم أكمل الناس فقهاً، وعلماً' قال شَيْخ الإِسْلامِ: 'فإن كان مقراً بالصلاة في الباطن معتقداً وجوبها' أي: بداهة بأن الله خالقه، ومعبوده، وأنه قد أمره بالصلاة، وأنه يجب عليه أن يؤديها، ثم قال: 'يمتنع أن يصر على تركها حتى يقتل وهو لا يصلي، هذا لا يعرف من بني آدم وعادتهم، لأنه لا يكون مقراً بشيء أو محباً له أو مؤمناًُ به، ثم يرغم عليه أن يفعله، إلا إذا كان رافضاً له، فهذا دليل على كفره، وأنه لا يقبله أبداً، وإلا كيف يفضّل السيف عليه وهو في باطنه يحبه هذا أولاً'.
'أما ثانياً: -وهي كلمة عظيمة له رحمه الله فقال:- ولم يقع هذا قط في الإسلام ' أن يصر على ترك الصلاة وإن قطعوا رأسه إلا من كان زنديقاً في الباطن، أما أن يكون في باطنه مؤمناً فلا، أو جاهلاً فنعلمه، لأن الجاهل لا يعرض على السيف حتى يعلم، قال: 'فمتى أمتنع الرجل من الصلاة حتى يقتل، لم يكن في الباطن مقراً بوجوبها، ولا ملتزماً بفعلها، وهذا كافر باتفاق المسلمين ' كما قال رحمه الله في كتاب الإيمان إذا جئنا برجل وقال: أنا من أهل السنة، فقيل له: ترض على أبي بكر وعمر، فقال: لا أترضى عنهما، قلنا: نقتلك، ونضربك، ونعذبك فأبى، فلا يصدق أحد أنه -في باطنه- من أهل السنة ويحب أبا بكر وعمر بل نكتشف أنه رافضي؛ لأن الرافضة لشدة حقدهم، وعداوتهم للشيخين الكريمين رضي الله تعالى عنهما خصوصاً ولعامة الصحابة الآخرين، لا يمكن أن يترضوا عنهم، فالمؤمن من أهل السنة على الحقيقة لا يمنعه شيء أن يترضى عليها، لأنه مقتنع بذلك، ولا يمكن أنه يحتمل الضرب فضلاً عن القتل في سبيل فعل شيء هو مقتنع به، ولا يكون كذلك إلا إذا كان كارها له.
فلو جئنا بإنسان وقلنا له: هذا طعام نظيف كله، وهو شدَّة من الجوع، فأبى أن يأكل، فقلنا: نضربك حتى تأكل مع أن الجائع لا يحتاج إلى الضرب ليأكل، لكن إذا امتنع حتى ضربناه، فهذا دليل على أنه إما مسموم أو حرام، لأنه فضل الضرب على أكله ولا يمكن أن يتركه وهو جائع، فالقاعدة التي يعرفها الناس جميعاً أن من تحمل العذاب أو الضرب أو القتل في سبيل شيء معين فهو معتقد له، وهذا واضح وهذا الرجل عقيدته أن يترك الصلاة، والذي وقع هو أن يؤتى برجل، ويقال له: صل، فإن أبى فنعلم أن هذا الرجل منافق زنديق ملحد، كما حدث لبعض من درسوا في بلاد الغرب، أو اعتقدوا العقائد الباطلة الكفرية، كـ الشيوعية والإلحاد أو غيره، وفعلاً يصرون على ألا يصلوا فنعرف أنه قد تغلغلت في نفسه هذه العقيدة الخبيثة، حتى أصبح يرى أن عليه أن يموت ولا يرجع إلى الدين، فهذا يموت كافراً، ويقتل كافراً، ولا يجوز أن نختلف في حكمه، فنقول: لعله يكون مقراً بالوجوب، وهذا من فقه شَيْخ الإِسْلامِ، وقد أخذه من حال ومعاملة الصحابة رضوان الله تعالى عليهم مع من تركوا شيئاً من الدين.
قال شَيْخ الإِسْلامِ: ' استفاضت الآثار عن الصحابة بكفر هذا ودلت عليه النصوص الصحيحة كقوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ليس بين العبد وبين الكفر إلا ترك الصلاة} رواه مسلم وقوله: {العهد الذي بينا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر} وقول عبد الله بن شقيق: [[كان أصحاب محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لا يرون شيئاً من الأعمال تركه كفر إلا الصلاة]] فمن كان مصراً على تركها حتى يموت لا يسجد لله سجدة قط؛ فهذا لا يكون قط مسلماً مقراً بوجوبها، فإن اعتقاد الوجوب واعتقاد أن تاركها يستحق القتل داع تام إلى فعلها' فمعنى كلامه: أن الإنسان يقوم في قلبه المقتضي أو الدافع الذي نسميه الآن في مصطلحاتنا الحديثة (الدافع التام أو الدافع القوي) لعمل معين، فهذا إذا اكتمل لدى الإنسان، وجاء أيضاً من يحضه عليه ولم يكن مانع من فعله؛ فلا بد أن يفعله، فالاعتقاد أن تاركها يستحق القتل، وأن هذا من الدين مع اعتقاده بوجوبها فهذا داع تام ودافع إلى فعلها، ثم قال: 'والداعي مع القدرة يوجب وجود المقدور، فإذا كان قادراً ولم يفعل قط عُلِمَ أن الداعي في حقه لم يوجد -أي الدافع غير موجود، ولو وجد لصلى أو صام أو زكى أو عمل، ثم قال- فالاعتقاد التام لعقاب التارك باعث على الفعل؛ لكن هذا قد يعارضه أحياناً أمور توجب تأخيرها وترك بعض واجباتها وتفويتها أحياناً' أقول هذا وأنا آسف جداً، لأني سمعت شريطاً لأحد الدعاة، وله إلمام بعلم الحديث، ويدير أحد المراكز الدعوية، وجدته يقرر أن تارك الصلاة ليس بكافر، ويقول: الإيمان عند أهل السنة والجماعة قول وعمل، وتارك العمل ليس بكافر، ويؤصل لهذه القضية، فكأنه يدعو الناس إلى حقيقة غائبة عن أذهانهم من العقائد، ومثله الذي كتب كتاباً أسماه " فتح من العزيز الغفار وبيان أن تارك الصلاة ليس بكافر من أهل النار " فعجيب أمر هؤلاء، وخاصة الأخ الداعية كيف أنه نسي أو غفل عن النقل الصحيح، وعن إجماع الصحابة رضي الله تعالى عنهم على ذلك، وإطباق أئمة الإسلام وخاصة أهل الحديث على ذلك، وقول وفتاوى علمائنا المعاصرين -حفظهم الله- كلهم متفقون على أن تارك الصلاة عامداً مع قيام العلم والحجة كافر.
وتعجبت من قوله بأن هذا من عقيدة أهل السنة والجماعة فمعنى كلامه: أن من اعتقد غير ذلك؛ فإنه على غير عقيدة أهل السنة والجماعة، فعقيدة الخوارج هم الذين يكفرون بترك بعض الأعمال، وهذا كلام عجيب، مع أن شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله يقرر هذا الأصل، وهذه العقيدة الواضحة الجلية في مواضع من كتبه ولا سيما في كتاب الإيمان بتوسع.
لكن نقول: لعل اللبس جاء من أن بعض الناس يصلي أحياناً، ويفوت أحياناً، ويؤخر أحياناً، وهذا ما نسأل عنه كثيراً فمثلاً: تتصل امرأة وتقول: زوجي أحياناً يصلي، وأحياناً لا يصلي، فهل أفارقه؟ وتقول: قرأت أو سمعت بعض العلماء يقول: إن الرجل إذا كان تاركاً للصلاة فإن زوجته تحرم عليه، والعقد باطل، والأبناء أبناء زنا وما أشبه ذلك، فتقول: إذاً ماذا أفعل؟ وهكذا يقرءون بعض الأدلة كما في حديث عبادة -الذي سنذكره بعد قليل- فيقولون: إذاً الذي لا يحافظ على الصلاة لا يزال مسلماً، وهكذا مثل هذه الشبهات، فيقع في حيرة واضطراب، ويقول: كيف نقول: إن الإجماع قد انعقد وثبت على كفره، ومع ذلك نسمع من يقول: لا.
أو مثل هؤلاء المساكين، تقول: إذاً ماذا أفعل أنا؟ هل فعلاً أتركه وأفارقه؟ فنقول: من هنا يأتي اللبس.