ولذلك لا يجوز تكفير المسلم بما فعله من الذنوب التي هي دون الشرك أو الكفر، ولا يجوز تكفيره بخطأٍ أخطأ فيه وإن كان في المسائل العلمية؛ حتى مما له علاقة في أمور الاعتقاد، وهذا فيما تنازع فيه أهل القبلة فمن نازع في المرتبة الأولى من مراتب القدر -وهي مرتبة العلم- فهو كافر بالاتفاق.
إذاً هذه مسألة لا تحتاج إلى اجتهاد؛ لكن من نازع في مسألة خلق أفعال العباد فقال: إن العباد هم الذين يخلقون أفعالهم فقد يكون مبتدعاً ضالاً، وقد يكون مخطئاً؛ إذا ظن أن النصوص تدل على ذلك، فلا يخرج عن أهل السنة والجماعة إذا لم يتبع غيرها لا فلسفةً أو منطقاً، أو كلام يونان، أو كلام واصل بن عطاء، أو عمرو بن عبيد، لكن اجتهد وظن أن المسألة موضع اجتهاد، وفهم بعض الأحاديث على غير ظاهرها ووجهها، فقال قولاً في هذه المسألة وما أشبهها، وإذا بهذا القول موافق لما تقوله المعتزلة، أو لما يقوله نفاة الصفات أو غيرهم.
فنقول: هذا السني الذي هو من أهل السنة في منهجه وفي دعوته، ولكن أخطأ فوافق أهل البدعة لا يخرج من أهل السنة، ولا يؤاخذ، وهو الذي جاءت الآية والأحاديث فيه أنه لا يؤاخذ، لكن لا يتابع ولا يقر على ذلك.
وهذه مسألة أخرى، فهو لا يقر على خطئه، ولا يقال: لا أحد يرد عليه، أو يبين خطأه، ومن ذلك أن أهل السنة والجماعة مجمعون على أن الإيمان قول وعمل، ومرجئة الفقهاء قالوا: إن الإيمان هو التصديق والإقرار باللسان، وأن الأعمال لوازم وثمرات ولا تدخل في حقيقته، فلا يخرجهم ذلك من الملة، ولا يجوز أن يكفروا به وهكذا.
وقد يخطئ مخطئ من أهل السنة فيجتهد فيقرّب بين وجهتي النظر، أو يرجح مذهب الفقهاء ويكون مخطئاً، ولا يقال عنه إلا أنه مخطئ، ويرد عليه، ويرد إلى الحق حسب الحكمة، ومراعاة الضوابط.