[الحكم الشيوعي في عهد إستالين]
وحصل الانشقاق الأول، ومن هنا ظهر الانتقاد، والقول بأن الشيوعية لم تطبق وأن الانحراف وقع عن مبادئ ماركس على يد لينين.
توفي لينين وانتهى عام (١٩٢٥م)، وورث الحكم الطاغية الرهيب المستبد استالين الذي دمر الشعوب، ولا سيما الأمم الإسلامية وقتل منها عشرات الملايين في مجزرة رهيبة بعد أن وضعت لهم الوعود المعسولة، بأن حكم القيصر وظلمه قد انتهى، وإننا نحن رسل الإنسانية والعدالة والحرية، وأن في إمكان المسلمين بل يجب عليهم أن يكونوا معنا يداً واحدة في هذا العصر الجديد الزاهي، لنحقق العدالة والأخوة والمحبة.
وخُدع المسلمون بالطبع، أو طائفة كبيرة منهم -على الأقل- بهذه العهود المعسولة والأماني، ثم عقبها انقضاض استالين وبكل شراسة وعنف، على الإبادة الجماعية للمسلمين والتهجير الجماعي، حتى إن جمهوريات إسلامية كاملة، هُجِّر أهلها بالكامل، وأحل محلها مستوطنون من روسيا ومن النصارى، ونزح بهؤلاء المسلمين إلى سيبيريا والمصانع في مناطق أخرى.
فترة استالين هذه سماها جورباتشوف نفسه في كتابه إعادة البناء: "مرحلة عبادة الفرد"، وهكذا كان بالفعل، ومع ذلك، حتى جورباتشوف نفسه يعتذر لـ استالين بأن ظروف الحرب والأوضاع الدولية أملت عليه بعض التصرفات وإن كان لا يرى أنها كافية للعذر.
مرت مرحلة استالين، وكانت العلاقة مع العالم متأثرة فعلاً بظروف الحرب العالمية الثانية، وكان الغرب والشرق - أعني غرب أوروبا وشرقها- مضطراً للتعاون والاندماج في سبيل القضاء على النازية والفاشية على هتلر وموسليني دول المحور (محور الوسط).
كان لا بد من شيء من هذا، فـ استالين جعل هذا غطاءٌ لحكم استبدادي مطلق، ولتعديلات جذرية في المنهج الشيوعي فكراً وتطبيقاً على أن الأمر أمر مرحلي! وأن المسألة لن تتجاوز استثناءات وقتية أملتها الظروف، وبعد هذه الإجراءات الاستثنائية، وبعد انتهاء الحرب يمكن أن تعود الأمور إلى مجاريها، ولكن طال الأمد جداً وحكم هذا الطاغوت حكماً طويلاً، وكانت العلاقة مع الغرب كما قلنا علاقة وئام بسبب الموقف الموحد من النازية والفاشية.
أعقب ذلك - ونحن نوجز الأحقاب سريعاً حتى نصل إلى المرحلة الحالية- مرحلة خورتشوف.
جاء خورتشوف وقال: 'إن استالين انحرف' وندد بسياسة استالين تنديداً فضيعاً، وقال لا بد من العودة إلى منهج لينين العظيم، وهناك ما يشبه النكتة وهي حقيقة وقعت، بعد أن تولى خورتشوف رئاسة الاتحاد السوفيتي، وعقد اجتماعاً موسعاً في اجتماع اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، أخذ يتحدث لهم عن مساوئ استالين، ومظالمه واستبداده ودكتاتوريته، فجاءته أوراق، ومن جملة الأوراق جاءت ورقة مكتوب فيها: أين كنت يوم كان استالين يصنع هذه الأمور؟ وهو سؤال وجيه.
طبعاً كان موجوداً في الوزارة، مشتركاً في كل النشاطات، ومع ذلك كان ساكتاً، والآن يندد تنديداً رهيباً فضيعاً.
وكان خورتشوف داهية خبيثاً كالباقين هؤلاء، طبعاً وهم يهود، فـ لينين يهودي، واستالين يهودي، وخورتشوف يهودي، وبرجنيف يهودي.
فقال: من الذي كتب هذه الورقة لأتناقش معه؟ فلم يرفع أحد يده.
قال له: كنت أنا في أيام استالين كما أنت الآن في أيامي.
إذن من يستطيع التكلم، فالقضية واحدة! المهم أن اللاحق ينتقد السابق، وهكذا.