أما التحكيم فلا بد منه لصحة إيمان العبد، فلا يكون المسلم مؤمناً، ولا مسلماً إلا بأن يحكِّم رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
وأصل التحكيم: الإقرار بأن ما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الحاكم على كل ما سواه، كما جاء في الحديث:{من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد} قال العلماء: التقدير 'ليس حاكماً وقاضياً عليه أمرنا فهو رد' فأمر الله وأمر رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الذي يقضي ويحكم على الأهواء، والرغبات، والشهوات والقوانين، والعادات، والأعراف، والأوضاع، وكل ما يخطر ببالك مما يعارض ما جاء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، أو يمكن أن يعارضه، فيجب أن يكون الحاكم عليه هو ماجاء به صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ولا يقدم على ذلك شيء مهما كان.
فهذا التحكيم من وقع ومن وقر في قلبه وأقر به فقد حقق درجة الإسلام، وحقق المرتبة الأولى من مراتب الرضا، وهي الرضا بالله رباً، وبالإسلام دينا، وبمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رسولاً، لكن لا يزال في الدرجة الأولى، وحاله كحال الأعراب الذين قال الله تعالى فيهم:{قَالَتِ الأَعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ) [الحجرات:١٤]، فمن كان هذا حاله فهو بحاجة إلى درجةٍ أعلى حتى يكون من أهل الإيمان، ولذلك بعد قوله: {حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ}، قال:{ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ}[النساء:٦٥].