للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية معاملة المتأول والمستحل]

وهذا يدل على كيفية معاملة المُتَأَوِّلِ والْمُسْتَحِلِّ، فأما المتأول فتكشف شبهته، وكل من استحل محرماً أو وقع في شرك أو بدعة أو محرمٍ بشبهة، فتكشف -أولاً- الشبهة، ويناقش مناقشة علمية، والناس في هذا على نوعين والوسط هو الحق والعدل، فبعض الناس إذا رأوا من فعل ذلك، قالوا: هذا من أهل العلم، أو إمام مشهور، أو صحابي جليل، فلا يفعل هذا الشيء إلا وهو محق، فيقلدونه.

وبهذا التقليد ارْتُكِبَ كثيرٌ من المحرمات -نسأل الله العفو والعافية-، وهذه الشبه تقع كثيراً، حتى في موضوع الخمر، فأهل الكوفة وفقهاء العراق يرون أن الخمر المحرم هو ما كان من العنب إذا غلى وقذف بالزبد، وأما ما عداه فهو لا يقاس عليه.

ولهذا روى البخاري رحمه الله أحاديث كثيرة عن أنس رضي الله عنه وعن غيره من الصحابة أنهم قالوا: نزلت آية الخمر وما في المدينة زبيبة؛ إنما كان فيها التمر ولم يكن يصنع الخمر بـ المدينة من العنب، لكن وقعت هذه الشبهة.

فالمقصود أن من الناس من إذا وقعت مثل هذه الفتنة اتبعوا من فعلها، وقالوا: هؤلاء أئمة، وفي المسألة خلاف، ولم يكن الصحابة الكرام -رضوان الله عليهم- على هذه الحالة، ولو أن الإنسان تتبع أخطاء العلماء وتأويلات المتأولين لكان مصيره كما قال بعض العلماء: من تتبع رخص الفقهاء تزندق.

فيأخذ من هذا شيئاً يتعلق بالوضوء، ومن آخر شيئاً في الصلاة أو الزكاة أو الصيام، ثم يجمعها؛ فلا يبقى لديه من الدين شيئاً صحيحاً، فيصبح زنديقاً مارقاً، كما ذكر أبو نواس الشاعر الماجن الخبيث لما قال:

أجاز العراقي النبيذ وشربه فقال الحجازي كلاهما خمر

قال:

وقال الحجازي: الشرابان واحد فحلت لنا من بين قوليهما الخمر

فيقول: إن فقهاء العراق يقولون: إن النبيذ حلال، وفقهاء الشافعية وأهل المدينة يقولون:

قال الحجازي: الشرابان واحد فحلت لنا من بين قوليهما الخمر

فهو أخذ من هذا ومن هذا، فقال: بما أن النبيذ حلال كما يقول أهل العراق، ولا يقولون إذا أسكرت حرام، فأخذ منهم أن النبيذ حلال، وأخذ من قول أهل الحجاز أنهما واحد فحكمهما سواء، ثم توصل إلى أن تكون الخمر حلالاً والعياذ بالله، فلا شك أن من تتبع رخص العلماء تزندق واستحل المحرمات.

ومن ذلك من يسمون بفقهاء الحيل الذين ابتدعوا الحيل الشرعية، وهي ليست من شرع الله ولا من دينه، كنكاح التحليل وأشباهه مما أطال فيه العلماء، كما ذكر ذلك ابن القيم رحمه الله في كتابه إغاثة اللهفان، فذكر كيفية تلبيس الشيطان على أصحاب التحليل والحيل، فهؤلاء هم الطائفة الأولى.

وأما الطائفة الأخرى فما أن يقع من عالم زلة وإن كان صحابياً أو تابعياً، فإنه يسقط من أعينهم بالكلية، ويشنعون عليه، ولا يحفظون له قدراً ولا مقاماً، وهذا جور وظلم وإجحاف.