يقول عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه عندما سأله أحد التابعين قال له:{يا عبد الله أيُّ المدينتين تفتح أولاً: مدينة هرقل أم روميا؟ -يعني القسطنطينية تفتح أولاً أم روما - فأخرج عبد الله بن عمرو كتاباً من صندوق كان لديه، وفتحه وقرأه وقال: أخبرنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -ونحن نكتب- أن مدينة هرقل تفتح أولاً}.
ما معنى ذلك؟ إذا تحدثنا بالنظرة الفكرية بغض النظر عن القضية الجغرافية، فإن العالم النصراني ينقسم إلى كنيستين كبيرتين: الكنيسة الشرقية، والكنيسة الغربية، والعالم الصليبي هو أعتى وأقوى أعداء الإسلام، وهو الذي -كما سنعرض في الأحاديث- سيظل العدو اللدود للإسلام إلى قيام الساعة.
هذا العدو ينقسم إلى كنيستين: الكنيسة الشرقية والكنيسة الغربية.
الكنيسة الشرقية الأرثوذكسية ومقرها القسطنطينية، والكنيسة الغربية الكاثوليكية ومقرها روما، وعبد الله بن عمرو يُسأل فيقال له: أي المدينتين تفتح أولاً؟ ونلاحظ من هذا السؤال أن التابعي ليس لديه شك في أن كلاً من القسطنطينية وروما ستفتح، وما سأله هل ستفتح روما وإنما سأله أي المدينتين ستفتح أولاً؟ فعنده يقين بأن المدينتين ستفتحان لكن أيهما تفتح أولاً؟ فقال له عبد الله بن عمرو عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: مدينة هرقل تفتح أولاً.
فالكنيسة الشرقية هي أول ما ينهار في طريق الزحف الإسلامي المظفر، وقد حصل ذلك، وقد اجتاحها المسلمون فبدءوا بـ بلاد الشام، وقد كانت قاعدة حكم الامبرطورية الرومانية لـ هرقل، وقد أخبر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كما في الحديث الصحيح:{إذا هلك قيصر فلا قيصر بعده، وإذا هلك كسرى فلا كسرى بعده، والذي نفسي بيده لتنفقن كنوزهما في سبيل الله عز وجل} وقد أنفقت كنوزهما في سبيل الله عز وجل.
ولما أن كانت القصة المعروفة المشهورة -التي رواها الإمام البخاري في أول الصحيح- ولم يؤمن هرقل ولكنه كاد أن يسلم ثم بقي على دينه، فلما أن جاء الزحف الإسلامي وتقدم إلى دمشق ففر هو إلى حمص، فلما تقدم الزحف الإسلامي إلى حمص، قال هرقل الكلمة المشهورة: سلاماً عليك يا سوريا، وداعاً لا لقاء بعده.
فقد علم بذلك من قَبل لما جاءه كتاب رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فقال:{والله ليبلغن ملكه ما تحت قدمي هاتين} فقد كان يعلم ذلك، فهم يعلمون أن هذا الدين سيظهره الله على الدين كله ولو كرهوا وقاوموا، فانسحبت جيوش هرقل.