واقتضت حكمة الحكيم العليم أن يكون أهل الكتاب -ولا سيما اليهود - من ساكني المهجر ومجاوري الدعوة، وأن يكونوا أول كافر به مع أنهم يعرفونه كما يعرفون أبناءهم , وأن يؤلبوا عليه الأميين مع أنهم كانوا يستفتحون عليهم بخروجه , وأن يكونوا أعظم الساعين لإطفاء نوره مع أنه مصدق لما بين يديه من التوراة والإنجيل، وأشد المعاندين لوعده مع أنه مجدد لملة إبراهيم.
وأنزل الله الكتاب المبين، والذكر الحكيم، مفصلاً لما جبل عليه اليهود من عتوٍّ وجحود وكفر وعناد وخسة ولؤم ودناءة ونكوص، وما استوجبوا من مقت وغضب وذلة ومسكنة وفرقة وصغار، فلا تجد في كتاب الله أمة طال الحديث عنها، وتنوع قصصها مرة بعد مرة كهذه الأمة؛ فضح الله خبايا نفوسها، وخبيث طباعها، وعداوتها للعالمين أجمعين، وحقدها على أهل الخير والحق في كل زمان ومكان حتى الملائكة المطهرين! فباؤوا بغضب على غضب، ولعنوا على لسان محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كما لعنوا على لسان داود وعيسى بن مريم -عليهما الصلاة والسلام-.
ولكن اليهود هم أشبه شيء من البشر بالشيطان الرجيم، فكما أنه مستحق للعنة، وموعود بشر عاقبة؛ فإنه مسلط على طائفة من الخلق، وممهَّد له الاستحواذ عليهم، وممكن له التزيين لهم.