[كلمة توجيهية للصحوة الإسلامية]
السؤال
في ختام هذا اللقاء، لو كان هناك كلمة في ترشيد هذه الصحوة الإسلامية وتحذيرها من الانزلاق في متاهات أو في شراك تقاد إليه، وربما كان ظاهر هذه الانزلاقات براقاً، ولربما وضعت عليه شعارات أيضاً تشترك معها ظاهراً، وتحتها السم الزعاف، فلو كان منكم كلمة حول هذا المعنى بارك الله فيكم؟
الجواب
ما دمنا نتكلم عن الصحوة في الجملة، ولا نخص مكاناً أو وضعاً دون وضع، فلتكن النصيحة عامة، وهي ما نوصي به أنفسنا وإخواننا في الله في كل مكان وهو: أولاً: التمسك بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قولاً وعملاً واعتقاداً، واتباع منهج السلف الصالح، وأن نعتقد اعتقاداً يقينياً جازماً أن منهج السلف الصالح هو سفينة نوح، التي من ركب فيها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى، وأنه لا يمكن أن نصل إلى عمل، ولا دعوة، ولا استخلاف، ولا تمكين، ولا خير أبداً، لو تركنا هذه العقيدة الصحيحة، وتمسكنا بأي منهج آخر.
ثانياً: العلم، فإن العلم هو الذي يُضيء لهذه الصحوة طريقها، وهو الذي يُحول الحماس إلى طاقات منضبطة تعرف كيف تعمل، وأين تعمل، وهو الذي يوجه هذه الطاقات، ويسدد مسيرتها، فلا بد من العلم الشرعي، وهو العلم الذي أمر الله تبارك وتعالى به، وأوله وأصله: العلم بالله ومعرفة أسمائه وصفاته، وحقه على العباد، وتقديره حق قدره تبارك وتعالى، وكذلك برسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ومعرفة سيرته وسنته وأحواله للاقتداء به، وكذلك معرفة ما يجب على الإنسان أن يعرفه في حدود ما أتاح الله له، مما يتعبد به لربه حتى يعبد الله على بصيرة وبينة وبرهان.
وكذلك مما أوصي به، وأرى ذلك من ضرورات ترشيد هذه الصحوة: الآداب والأخلاق الإسلامية التي هي مطلوبة من كل مسلم، وحاجة الدعاة إليها أشد وهم إليها أحوج، ومن ذلك العدل.
وأنا أعجب! عندما نجد العدل يكاد يكون مفقوداً أو مختلاً لدى كثير ممن يمثلون هذه الدعوة وهذه الصحوة الإسلامية في كل مكان: العدل في الأقوال، والعدل في الأعمال، وكذلك التخلق بالأخلاق النبوية، أخلاق الأنبياء التي عَّلمنا إياها النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، والتي بها فتح المسلمون العالم، فإن حقيقة الأمر أن الصحابة رضوان الله تعالى عليهم إنما فتحوا قلوب العباد، ولم يفتحوا مجرد الأراضي، فتحوا قلوب العباد بأخلاق النبوة، يرون فيهم أخلاق الأنبياء.
لأنهم كانوا يقتدون ويتأسون برسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أخلاقهم، ويجدون من رحمته وشفقته وحسن رعايته ولطفه وإنصافه ما يجعل العدو يضطر أن يحترمه ويقدره ويحبه.
ونحن نلحظ نوعاً من الجفوة في التعامل بين كثير ممن ينتسبون إلى هذه الصحوة الإسلامية سواء فيما بينهم أو مع الناس، وهذه كلها مما يؤثر ويضر بالدعوة إضراراً كبيراً، ولنعلم أننا إن لم يكن لنا جسر إلى قلوب الناس بهذه الأخلاق العليا -التي أمر الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بها كما قال: ((ِ وَلَكِنْ كُونُوا رَبَّانِيِّينَ} [آل عمران:٧٩] فلتكن صفتنا هي الربانية في الإيمان، في العلم والخلق- فإن ذلك لا يمكن أن يؤدي إلى الثمرة المطلوبة المرجوة منهم.
كما نُحذِّر هذه الصحوة، أشد الحذر من كيد الأعداء، فإن الأعداء في الداخل، والخارج، وفي كل مكان، يكيدون ويخططون، ويسعون إلى احتواء هذه الصحوة في أي شكل من أشكال الاحتواء وتضليل المسيرة وتفتيت الجماعة التي تسير على هذا الطريق، وتمزيق الصف المسلم في كل مكان، هذا أمر يجب أن نتنبه له، وأن نتفطن له، وهو من أعظم أساليب الأعداء الملتوية، أنهم يجتهدون له، وهذا يريحهم من المواجهة المباشرة التي تجلب تعاطف الجماهير مع الدعاة، وتعطيهم زخماً واقعياً كبيراً.
وكذلك يتنبه الدعاة من المنافقين، لأنهم يندسون في الصف، وعن طريقهم تخترق الدعوة، وعن طريقهم يمكن أن يُحقق الأعداء أعظم المكاسب، فهم مثل الألغام الموقوتة التي تدخل في داخل الأبنية، أو في داخل أية سيارة، أو في أي شيء يراد تفجيره، وفي اللحظة المناسبة يقومون بتفجير هذا الوجود، وهذه الصحوة.
وهذه الأحداث الأخيرة التي حصلت في واقع الدعوة الإسلامية تبين وتدل أن هذا من أهم ما يجب أن تتنبه له الصحوة الإسلامية، وهو تمحيص الصف، والتحرز الشديد من أن تخترق من داخلها.
وكذلك يجب على حملة هذه الصحوة الإسلامية أن يحذروا مما يوقعه أعداء الإسلام من المنافقين أو اليهود وأمثالهم من التحريش فيما بينهم، فإن أهل الإسلام في الجملة يجمعهم ويربطهم من أسباب التعاون والأخوة الشيء الكثير، والواجب أن يكونوا جميعاً كذلك، مهما اختلفوا، فكيف بـ أهل السنة وخاصة الدعاة منهم؟ وأي خلاف فإنه يُحَلُ وفق هذا المنهج، وقد فصَّل الله تبارك وتعالى ورسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذلك تفصيلاً: كيف يكون الرجوع عند الخلاف؟ وكيف يمكن التحاكم إلى المنهج؟ بل إنه لو تغاضى طرف عن طرف، بأن سكت طرف عن هجوم الطرف الآخر وتشنيعه والتشهير به ولومه واتهامه، مهما كان جائراً، مهما كان جاسراً، لو سكت الطرف الآخر واحتسب ذلك عند الله، فإن ذلك خير له وللدعوة.
وإن الدخول في هذه المهاترات والردود لا يجنى ثمرته إلا أعداء السنة وأعداء أهلها، ولذلك نوصي بأن يكون أهل السنة والجماعة يداً واحدة، علماء، وطلاب علم ودعاة وعامة.
ومن أخطر ما يجب أن نتنبه له الحذر من أن يدخل المنافقون أو المفسدون فيحدثوا فجوة بين أهل السنة وبين علمائهم، بين العامة وبين الدعاة بألوان وأنواع من الكيد، يدخلون بها لإحداث هذه الفجوة، وعند ذلك يقطعون الرأس عن الجسد، ويتمكنون من السيطرة على هذه الصحوة وتضليلها.
كذلك أحذر وأؤكد على عدم العجلة والاستعجال في أمور الدعوة، لأن هذه العجلة تجعل أعداءنا يعرفون كيف يستفزونا بمواقف معينة، ويعلمون أننا نتعجل ونتسرع، فنقع في الفخاخ والشراك التي ينصبونها لنا.
ثم بعد ذلك يكون ضرب الدعوة بناءً على هذه المبررات، ويقولون: هذا ما وقع، وهذا يستحق العقوبة؛ فلذلك يجب أن ينتبه المسلمون والدعاة من أن يُجروا إلى مواقف معينة تبرر القضاء عليهم وتبرر ضربهم من قبل أعدائهم، وأن يعتصموا بعد كتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بالشورى، فيما بينهم، وألاَّ يتصرف فرداً بأي موقف قد يجر المصيبة والبلاء على الأمة كلها، بل يجب أن يكون أمرهم شورى بينهم، وأن يتباحثوا في أي شأن من الشئون، حتى يكونوا يداً واحدة، وموقفاً واحداً ما أمكن، فإن كان هناك اجتهاد فليتح لكل إنسان أن يجتهد في مجاله، لكن دون بغضاء ولا تحرش ولا اتخاذ موقف يكون سبباً لأن يقضي عليهم أعداء الله تبارك وتعالى.
ونختم هذه الوصايا بوصية الله تبارك وتعالى إلينا وإلى من قبلنا: أن نتقي الله في أقوالنا وأعمالنا وسرنا وعلننا، وأن نخلص أعمالنا لوجه الله، ولا نبتغي بأي عمل من الأعمال أحداً سواه تبارك وتعالى، وأن نكون كما أمر النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {اتق الله حيثما كنت، وأتبع السيئة الحسنة تمحها، وخالق الناس بخلق حسن}.