[واجب الدعاة في البلد الحرام]
وإنني لأنتهز هذه الفرصة بدعوة طلاب العلم، وكلهم إن شاء الله من الآمرين بالمعروف والناهين عن المنكر كما أمر الله تبارك وتعالىبقوله: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران:١٠٤].
فعلينا أن نتعاون جميعاً في كل قطاع وفي كل مجال، نحن وكل من يأتي إلى هذه البلدة فضلاً عمن هو مقيم فيها، في أن ننكر هذه المنكرات جميعاً، وأن نحيي في الناس شعائر الله حقا، ً التي من أعظمها إحياء الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وترك الشرك والبدع، وترك المعاصي والفجور، وأن نتعاون على ذلك في كل مكان، والوسائل في ذلك كثيرة ومتنوعة -والحمد لله.
فلو تصورنا أن كل إنسان يبيع هذه الملاهي أو يعمل في بنك ربوي، أو يفتتح محلاً للربا أو للحرام في هذا البلد، وكان كل من يمر به من حاجٍ أو معتمر أو زائر ينصحه وينهاه ويأمره، فلا شك أن المنكر سيتغير وإن لم يُزَلْ بالكلية فلا بد أن يتقلص، ولا يكتفى بالإنكار المباشر على أهل هذه المنكرات، بل يجب أن يكتب -أيضاً- إلى من يهمه الأمر بإلغائها وإخراجها من هذا البلد الحرام، فهذه المحرمات لا تجوز في أي مكان، فكيف بها في هذا البلد الطاهر؟! ولابد أن تدعم هذه المحاولات، فعندما جرت محاولاتٌ صادقة طيبة جادة -والحمد لله- من بعض المسئولين في أمانة العاصمة للقضاء على المقاهي أو إخراجها من البلد الحرام، وهي مما لا يليق به ولا بشرفه وفضله تراخى الناس في التعاون، وحدثت ملابسات، وإذا بالأمر يرجع ويعود إلى ما كان عليه، فيأتي الإنسان إلى هذه البلدة الطيبة الطاهرة ويجد المقاهي مفتوحة، والناس يسهرون فيها، أمام التلفاز أو غيره من المنكرات والملهيات، وكأن هذا البلد لا قيمة له، وكأنه كأي بلدٍ من البلدان.
فهذا الذي لا يجوز الاشتغال به في أي بلدٍ من البلدان، يعمل في هذا البلد بسبب ضعف التعاون، وضعف الهمة وقلة الإنكار.
فلو أن كلاً منا أنكر بما يستطيع كتابياً أو هاتفياً أو مقابلةً، وتعاونا على ذلك لاستطعنا -إن شاء الله تبارك وتعالى- أن نعيد إلى هذه البلدة الطيبة الطاهرة ما أراده الله تبارك وتعالى وما يرضيه من بقائها خالصة له عز وجل لا شرك فيها ولا بدع، ولا ضلال ولا فجور ولا تبرج ولا سفور ولا ربا ولا زنا ولا مخدرات، ولا فواحش ظاهرة أو باطنة، ولا غش في المعاملات.
فلابد أن نعظم هذه البلدة، وأن نقيم فيها أمر الله، ونقيم فيها حدود الله عز وجل وأن يشعر الإنسان بمجرد أن يقترب منها من بعيد أنه آتٍ إلى بلد الإيمان، بلد الطهارة وبلد الفضيلة، فيرق قلبه وتخشع جوارحه وتدمع عينه، ويأتي إلى هذا البيت وقد عزم عزماً أكيداً على أن يغسل كل ذنب قد أذنبه، وكل معصيةٍ قد فعلها من قبل، وأن يجدد العهد مع الله عز وجل، وأن يطيع الله ما بقي من عمره.
أما إذا جاء فوجد دواعي الشهوة والإثارة وحب الدنيا، والميل إلى ما حرم الله ماثلةً أمام عينيه، حتى داخل المسجد الحرام -كما يقع وكما شكا إلينا كثير من الناس كتابياً أو هاتفياً من هذا الشأن -فإن هذا والله مما لا يجوز أن نسكت عليه أو أن نقره، -والحمد لله- أننا سنجد التجاوب إن شاء الله- وهو موجود، ولكن التجاوب يكون مع مطلب وتحرك من أهل الخير، ومع حثٍ من أهل الفضيلة.
ومما يساعدنا -إن شاء الله تبارك وتعالى- على هذا الشيء أن ننشر الكتيب الإسلامي، وأن ننشر الشريط الإسلامي بين الحجاج، والمعتمرين وبين المقيمين، ويبين فيها ما يدل على تعظيم هذا البيت وعلى فضله، وإذا نشرنا بينهم الأذكار الصحيحة استغنوا بها عن الأذكار البدعية، وإذا بينا لهم أحكام هذه الشعائر المكانية والزمانية استغنوا بذلك عن البدع التي هم فيها.
والحمد لله أنه يغلب على من يأتي إلى هذه البلاد، أنه يطيع ويسمع ويتقبل، فهذا من فضل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وهذا أمرٌ مشاهد وملموس في الحج وغيره.
فإذا نشر بينهم الشريط النافع الطيب، ووجدوا أن في هذه البلدة من يستقبلهم من أهلها، ويهدي إليهم الخير، والنصح والمحبة، فإن هذا مما يفتح صدورهم وقلوبهم إلى الخير، ولو تأملنا في التاريخ لوجدنا أن كثيراً من دعوات التجديد والإصلاح والتوحيد التي قامت في أطراف الأرض إنما كانت بفضل من الله تبارك وتعالى، ثم بسبب هذا الحج.
حيث كان الحجاج يقدمون إلى هذه البلاد، فلما جاءوا بعد دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب -رحمه الله- فوجدوا شعائر الله معظمة، ووجدوا حرمات الله معظمة، ووجدوا أن دين الله ظاهر، فأخذوا هذا العلم وهذه العقيدة فعادوا بها، فانتشرت دعوة التوحيد في الهند وفي جزر الهند وإندونيسيا وما حولها، وانتشرت في نيجيريا وفي كثير من الدول مثل الصومال وفي غيرها من المناطق، فانتشرت دعوة التوحيد من هذه البلاد انطلاقاً من الحج أو العمرة، من مكة أو المدينة، التي إذا صلحت صلح بقية العالم -إن شاء الله-؛ لأنه كما جاء في الحديث {إن الإيمان ليأرز بين المسجدين كما تأرز الحية إلى جحرها}.
فيجب أن نحيي هذه الشعيرة، وأن نجعل الإيمان بارزاً ظاهراً، وأما أن يظل كلٌ منا في حدود نفسه، أو يعظم شعائر الله في قلبه ونحن نستطيع أكثر من ذلك فإن هذا مما نخشى أن يعمنا العذاب بسببه؛ لأننا نستطيع أن نفعل ما هو أكثر من ذلك، ونستطيع أن ندعو إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وأن نقيم الحجة في حدود قدرتنا.
إننا لواثقون -والحمد لله- من استجابة الناس في داخل هذه البلدة، أو من القادمين إليها إلى مثل هذه النصائح وهذه التوجيهات، خاصة مع قدوم شعبان ثم رمضان، وهنالك سيكون الزحام وستكون أمور عظيمة، ويليها الحج وما فيه كما تعلمون.
فأمامنا الأشهر التي تكون فيها شدة ازدحام هذا البلد، وشدة ظهور كثير من هذه المنكرات في هذا البلد فيجب علينا أن نعد العدة، وأن نبذل الجهد في سبيل القضاء على كل ما يتنافى مع تعظيم هذه البلدة الطيبة الطاهرة، التي جعل الله تبارك وتعالى الذنب أو العمل فيها ليس كغيره، قال تعالى: {وَمَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيم ٍ} [الحج:٢٥].
قال بعض العلماء: 'لم يرتب الشرع أو يرتب الله -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-العقوبة على عملٍ بمجرد الإرادة إلا في هذه البلدة، أما في غيرها فإن الذنب إنما يترتب على الفعل لا على الإرادة، ولا غرابة في ذلك؛ لأن الله تعالى اختصها وشرفها بما تعلمون'.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن ينفعنا وإياكم بما نقول ونسمع، وأن يجعلنا ممن يعظم شعائر الله ويحفظ حدود الله، ويقيم دين الله عملاً بكتاب الله وسنة رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ والحمد لله رب العالمين.