وعندما جاءت هذه الحشود والقوات الغربية، الفتنة الكبرى التي ما أظن مر على تاريخ الإسلام وتاريخ جزيرة العرب كارثة أعظم ولا أكبر منها، وجاء معهم النسوة التي لا يخفى على أحد أعمالهن ولا تحركاتهن، وقد حُذر مع الأسف، ولكن قد كان الواقع الذي ترونه، والذي يراه كل أحد يزور المناطق التي يتواجدون فيها وهم ليسوا ببعيد، المهم لما جاءوا كان طبيعيٌ جداً أن تتكرر الدعوة القديمة دعوة تغيير المجتمع.
الذي نعرفه أنكم جئتم لإعادة الشرعية، وللدفاع عن البلاد، أمّا أنكم تقولون: تغيير المجتمع، التغيير الاجتماعي، والديمقراطية، وتغيير التركيبة، وتغيير البنية الاجتماعية، ما علاقة هذا بهذا.
ولكي أختصر عليكم الإحالات -وهذا شيء أنا أرجو أنه لا يفوت ذلك الكثير منكم حتى تعرفوا ماذا يراد لنا- كل يوم في الصباح وأيضاً تأتي في الليل أحياناً لكن أنا لا أسمعها إلا في الصباح أقوال الصحف الأمريكية تأتيكم في صوت أمريكا باللغة العربية نسمع ماذا تقول، والعاقل يفكر، المسألة ليست مسألة شرعية.
ويتكلمون عن غياب العدل لدينا، وأي عدل أقامه الغرب في حياتهم، أي شرع فَكَّرَ الغرب أن يقيمه في حياته كلها، إنها مآرب أصبحت غير خافيه على أحد -والحمد لله- ولهذا لا نفيض في الحديث عنها؛ فإن الواقع أكبر من أن يتكلم عنه، لكن المقصود أن ارتباط وجود هذه القوات مع المطالبة بالتغيير الاجتماعي، والتغيير في سياسة أو طريقة الحكم، وفتح المجال للشورى وللمقاطعات إلخ، هو نفس المشهد الذي رأيناه في أيام نابليون ثم في أيام إسماعيل، ثم في أيام سعد زغلول، ثم فيما بعد تكرر.
وإذا بالمنتمين إلى الفكر الغربي، الذين قبلتهم ليست مكة إنما واشنطن، ولم يتلقوا العلم الشرعي من سنة محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وميراثه الذي ورثه لنا، وإنما تلقوا تعليمهم الإلحادي في تلك البلاد الكافرة، وإذا بهم يطالبون نفس الشيء، ويدعون إلى التحرر والإلحاد والخروج فكانت المسيرة.
فاجتماع هذه الأمور من وجود القوات ووجود هؤلاء السافرات الفاجرات ومعهن الكافرات، ووجود التوجيه من الخارج بالتغيير الاجتماعي -الذي لا بد أن يطرأ على دول المنطقة بعد قدوم هذه القوات- هذا هيأ الفرصة لخروج ما سمي بالمظاهرة، فخرجت وقد ظنوا -وخيَّب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ظنهم- أننا قد متنا وأنه (ما لجرح بميت إيلام)، فظنوا أن الإيمان قد فُقِِدَ، أو ذُبح، وأن حب الدنيا، وغلبة الشهوات، والتربية الإعلامية الطويلة على الانحلال، والسفر إلى الخارج المفتوح على أبوابه، وأكل الربا، والانغماس في الشهوات، وإبعاد الشباب عن حياة الجد، وغيرها من العوامل، أن ذلك كله قد قضى على شخصيتنا الإيمانية.
وتوقعوا أنه سيعترض بعض من سموهم أصحاب المكانس، ولكن سنغلبهم وسيعترف المسئولون بالأمر الواقع، وسيكون لنا كيان ووجود، ويكتب التاريخ أننا الزعيمات الرائدات لهذه الحركة، وكانت -والحمد لله- غلطةً كبرى، ووهماً عظيماً وقع فيه المخططون، ولا نعني المنفذات الغبيات، وإن كان فيهن من هي على علم، ولكن وقع في الوهم الكبير المخططون، ومن يقف وراء المخططين، وأخطئوا التوقيت، وعبارة (وأخطئوا التوقيت) كثيراً ما سمعناها، لكن نحن نريد بها معنى آخر، نقول: إنهم أخطئوا التوقيت بأن قدموا الأمر في وقت ظنوا فيه أننا قد متنا، ولكننا -والحمد لله- ما زلنا أحياء، وظنوا أنهم سيضحكون على علمائنا، ولكنهم والحمد لله تنبهوا، بعد أن كاد الأمر أن يفلت بتعهد، لكن الاستنكار الذي قوبلن به قضى على الأمر.