ثم يقول تعالى في هذا الحديث:{يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار، وأنا أغفر الذنوب جميعاً، فاستغفروني أغفر لكم}.
فهذه حقيقة لامناص لأي إنسان أن يفر منها أو يكابر أو ينكرها، فنحن العباد نخطئ بالليل والنهار، وكل بني آدم خطاء، فالقلب يخطئ بالخطرات والأفكار والوساوس الرديئة والأماني الكاذبة.
والعين تخطئ بفضول النظر، وبالنظر المحرم، وبما من شأنه أن يدخل إلى القلب داءً قد لا يشفى منه أبداً.
واللسان يخطئ، ومن الذي يمر عليه يوم ولا يخطئ بلسانه؟! إما بغيبة أو نميمة أو كلمةٍ لاحق له أن ينطقها؟! والأذن تخطئ فكم تسمع من حرام! فإما أن تسمع حراماً فتستلذ به، وإما أن تسمع منكراً فلا تنكره، فالخطأ ملازم لابن آدم، ولو لم يكن من خطأ ابن آدم إلا أنه غافلٌ عن هذه النعم، فهو غافل عن ذكر الله تعالى مع أنه متلبس بها ليل نهار.
ولهذا أمرنا الله أن نستغفره -تبارك وتعالى- وكذلك أمرنا رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أن نستغفر الله تبارك وتعالى، والرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ضرب لنا في ذلك المثل الأعلى؛ فقد كان صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يستغفر الله في اليوم مائة مرة أو أكثر من مائة مرة، بل كان ربما استغفر في المجلس الواحد أكثر من سبعين مرة.
هذا وهو رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الذي غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، والاستغفار هو صابون الذنوب، وهو الذي يذهبها بإذن الله تبارك وتعالى.
فهذا الطلب وهذا النداء من الغفور الرحيم، الغني عن العالمين إن عبدوا وإن أطاعوا، أو إن عصوا وكفروا؛ فالله عز وجل يبين لنا أنه يفتح هذا الباب العظيم من أبواب الرجاء ومن أبواب الخير، وهو عز وجل يطلب منا أن ندعوه، وأن نستغفره.
الله يغضب إن تركت سؤاله وبني آدم حين يسأل يغضب
فسُبْحَانَهُ وَتَعَالَى القائل في محكم التنزيل:{يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}[فاطر:١٥]، فهذا الغني الحميد هو من يقول لهؤلاء الفقراء -وكلنا فقير-: يا أيها العبيد استغفروني؛ واطلبوني الهداية، واطلبوني الإطعام؛ واطلبوني الكساء؛ واطلبوني أن أغفر لكم ذنوبكم، لأنكم لاتنفكون عن ذنب آناء الليل وآناء النهار، فأي إنعامٍ وإحسان وتكرم وفضل بعد ذلك؟! وهو عز وجل لا يُقَنِّطُ عباده ولا يخيب من أتاه ومن رجاه، ولو أتاه بملء الأرض من الخطايا.