[الأحداث الكبرى في تاريخ المنطقة]
وإذا كانت فكرة عودة المسيح الألفية قد راودت الأذهان عند نهاية القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين؛ حيث بُدئ عملياً في تحقيق الوعد المفترى، وإنشاء دولة إسرائيل، فإنه لابد لنا أن نستعرض الأحداث الكبرى في تاريخ المنطقة منذ ذلك الحين إلى اليوم لنرى بوضوح كيف تمت مؤامرة أهل الكتاب، وكيف صدَّقهم وشايعهم من كفروا بالوعد الحق أو تناسوه، وأنهم لا يعتبرون من تكرار النتيجة الخاسرة والغدر الواضح في كل مرة.
وسنرى أن كل حدث يُقرِّب من النتيجة يكون له قِناعه الذي يبعد أنظار المغفلين والمستغفلين عنها! والمدهش حقاً أن العرب يكونون أكثر تعلقاً بالمتآمرين وتحالفاً معهم، في الوقت الذي يكون أولئك فيه أكثر إصرارا على الغدر بهم وسلبهم.
١ - الحدث الأول: هو الحرب العالمية الأولى التي كان من آثارها بل من أغراضها تقسيم الدولة العثمانية والقضاء على الخلافة، وإعلان حق اليهود في تأسيس دولتهم - رغم أنف عبد الحميد الذي رفض عروضهم المغرية - وتأسيس دولة عظمى على العقيدة اليهودية الشيوعية! حينها دخل الجنرال اللنبي القدس، ووضع الراية على جبل الزيتون قائلاً: الآن انتهت الحروب الصليبية، وأصدر الإنجيلي المتعصب -كما سنبين- بلفور وعده المشئوم، فماذا كان قناع المؤامرة؟ وماذا كان موقف العرب؟ لقد افتعلوا قناع الانتداب، ليحكموا باسمه التركة العثمانية الممزعة، وكان مهندس ذلك هو (ابن راعي الكنيسة) كما سمى نفسه، وهو المتعصب الإنجيلي ولسن رئيس أمريكا حينئذٍ (وسيأتي له حديث).
أما موقف العرب فقد تحالفوا مع أعدائهم على أنفسهم، ودخلوا تحت راية المحتلين لبلادهم، فكانوا جزءاً من جيش اللنبي وقطيعاً وراء لورانس!! ٢ - والحدث الثاني: هو الحرب العالمية الثانية، التي كان من أغراضها ونتائجها القضاء على النازية منافسة الصهيونية، وإعلاء شأن الحكومة اليهودية الخفية الشيوعية وإعلان ميلاد دولة إسرائيل.
وكان موقف العرب هو الانضمام إلى الحلفاء الذين كانوا يحتلون بلادهم، وفتح بلادهم لقواعدهم، وحشد الحلفاء كثيراً من أبناء مستعمراتهم المسلمين، وتمهيداً لخوض معركة العلمين ضد الألمان جلب الحلفاء بعض الشيوخ من الهند وغيرها يفتون المسلمين بأن قتال الألمان جهاد في سبيل الله! وكان القناع هذه المرة: ميثاق الأمم المتحدة وإعلان حقوق الإنسان وحق الشعوب جميعاً في تقرير مصيرها والاستقلال عن مستعمراتها!! وهلل العرب لهذه الشعارات البراقة وفرحوا بما سمي بالاستقلال، وآمنوا طائعين بشرعية الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن، فماذا كانت النتيجة؟ لقد قامت دولة إسرائيل وقام ما هو أسوأ منها: الحكومات العلمانية العميلة التي جعلت الشعوب تترحم على أيام الإنجليز والفرنسيين، وأوصلت الأمة إلى أدنى مستوى من الانحطاط في تاريخها كله.
٣ - والحدث الثالث: هو الوفاق اليهودي النصراني المسمى (الوفاق الدولي) حيث تقرر انتهاء دور العقيدة الشيوعية ليعود فرعا الشجرة عصا غليظة، وأداة واحدة لتهشيم رأس العدو المشترك: المسلمين، ويفتح الباب لهجرة أكبر تجمع يهودي في العالم بعد أمريكا اليهود الروس، والشرقيون، وتسيطر بيوت المال اليهودية في نيويورك وأخواتها على ثروات العرب، ويصبح يهود إسرائيل طبقة أرستقراطية في محيط عربي كله عمال لمشروعاتها، ويصبح جيش الدفاع الإسرائيلي هو بوليس المنطقة كلها، وتيسيراً لذلك لابد من إجهاض أية محاولة عربية للحصول على السلاح النووي أو بديله المحدود الكيميائي، وتمزيق الأمة تمزيقاً لا رجعة فيه.
وتحقيقاً لذلك صنع سيناريو حرب الخليج، وعاد العرب من جديد جيوشاً للحلفاء وطعماً للألغام بين يديهم، واقتتلوا في معركة كلا طرفيها منهم خاسر على أي حال وبكل اعتبار، ودمروا بأموالهم وبأيديهم وأيدي أعدائهم ما أنفقوا عليه وبنوه في سنين طويلة!! وفشلت كل الأنظمة الأمنية المقترحة إلا نظام الحماية الغربية، وكان الغلاف والغطاء هذه المرة هو: النظام الدولي الجديد والشرعية الدولية.
والعجب أو الأعجب هو أن هذا الغلاف أظهر من سابقيه في الصلة بالمؤامرة الكتابية والعلاقة بتحقيق الوعد المفترى، ولعل السر في ذلك أن الأمة الإسلامية أصبحت من الذل والخذلان -كما أصبحوا هم من الثقة والإصرار- بحيث لا يخافون أن تطلع على مؤامراتهم أو تفضح مكيدتهم.