[الخلاف بين المعتزلة والخوارج في مرتكب الكبيرة]
ثم قال المصنف رحمه الله: 'والخلاف بينهم لفظي فقط' كلمة الخلاف اللفظي هنا مهمة, لأنه سوف تأتي هذه اللفظة في باب الإيمان.
اللفظ إما أن يكون مطلقاً وإما أن يكون باعتبار معين، فبالنسبة للخوارج والمعتزلة هو لفظي معين باعتبار الآخرة أو المآل، لكن في الدنيا هل الخوارج والمعتزلة يعاملون مرتكب الكبيرة معاملة واحدة؟ بمعنى لو أن إنساناً زنى عند خارجي وزنى آخر عند معتزلي, هل تكون المعاملة بينهما معاملة واحدة في الدنيا؟.
الجواب
لا؛ لأن الخارجي يحكم بكفره ويقتله؛ أما المعتزلي فإنه لا يرى بالضرورة أن يقام عليه حد الردة؛ لأنه زنى أو شرب الخمر.
صحيح أنه لا يسمى مؤمناً لكنه أيضاً لا يصل إلى درجة الكفر, وهذه العبارة المهمة تحدد لنا ما بعد؛ وهو أن النزاع لفظي في أحكام الآخرة، أو مآل الشخص، فالنزاع بينهم لفظي فقط في هذا.
وكما أن المعتزلة والخوارج متفقون على أنه يخلد في النار, فإن أهل السنة متفقون على أنه يستحق الوعيد المترتب على ذلك الذنب، كما قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْماً إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَاراً وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيراً} [النساء:١٠] هذا وعيد يستحقه من أكل مال اليتيم، وقد رأى النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الزناة وهم في تنور في النار فهم يستحقون هذا الوعيد.
وكذلك وعيد القاتل -مثلاً-: {إذا التقى المسلمان بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار} فيستحق القاتل هذا الوعيد.
وكذلك قوله: {سباب المسلم فسوق وقتاله كفر} يستحق الساب الوعيد هنا أيضاً فـ أهل السنة والجماعة لا ينفون استحقاق العاصي ومرتكب الكبيرة للعقوبة؛ لأن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رتب في النصوص هذه العقوبة، فقال سبحانه: {وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً * إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلاً صَالِحاً} [الفرقان:٦٨ - ٧٠] وقال سبحانه: {لَيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ} [النساء:١٢٣] إذاً هناك وعيد مستحق مترتب -كما ذكرنا- لا كما يقوله المرجئة من أنه لا يضر مع الإيمان ذنب, ولا ينفع مع الكفر طاعة, وقد قلنا: إن مثل هذا قول غلاتهم، ولا يعرف أن معيناً منهم كتب هذا أو دعا إليه وإنما هو على سبيل الإلزام أحياناً، وعلى سبيل الجدل حيناً آخر وأكثرهم غلواً هو جهم وهو خارج من الملة! ومذهبهم خارج عن دين الإسلام بالكلية -نسأل الله العفو والعافية- والمهم أن هذه المقولة: لا يضر مع الإيمان ذنب, ولا ينفع مع الكفر طاعة لم يعرف أن أحداً منهم صرح بهذا اللفظ والتزمه, وقد ذكرنا أن الخوارج الغلاة ومنهم الأزارقة ثم النجدات ثم الإباضية فـ الأزارقة لا يعلم لهم الآن كتاب نحاكمهم إليه؛ لكن أقرب مصدر فيه أخبار الأزارقة هو كتاب (الكامل) ومؤلفه المبرد النحوي وقد كان متهماً برأيهم ويميل إليهم وأسانيده عالية، وهو من أهم المصادر وأقدمها وقد أطال في ذكرهم.
أما الإباضية فقد قامت عليها دولة فتطبع وتنشر لها, بل إن لها بعض المؤسسات في دول أخرى.