ولكن العجب الذي حصل في الفترة الأخيرة: هو ما جرى أولاً في روسيافيك ثم في مالطا من اتفاق هاتين القوتين، فإن العالم كله ذهل ودهش له ولنتائجه، ولا شك أن ما جرى في أوروبا الشرقية وبالسرعة المذهلة التي روعت العالم يدل على أن الأمر جد، وأن الأمر خطير، وأن ذلك الاتفاق له ما بعده.
لقد أعلن كلٌ من الطرفين أنه لن يعادي الآخر، وأشد من ذلك ما أصبح ظاهراً في لهجة زعيم الشيوعية العالمية -التي كانت تندد ليل نهار بخطر الاستعمار الأمريكي- عندما يقول: نحن وهم، فقيل له -أي: جورباتشوف -: من نحن ومن هم؟ قال: نحن الاتحاد السوفيتي وأوروبا وأمريكا وهم: الصين واليابان والعالم الإسلامي.
الوحدة الأوروبية وهي من أعظم ثمرات هذا الاتفاق إن لم تكن من محركاته في الأصل، لأن أوروبا تعرف أنها فقدت سيطرتها التي امتدت قروناً، وكما تعلمون أنه بعد حوالي سنتين سوف تكون أوروبا موحدة، كالدولة الواحدة.
وسوف يدخل في هذا الاتحاد -وقد بدأت المفاوضات في ذلك- الكتلة الشرقية أيضاً، فتصبح أوروبا شرقها وغربها قوة واحدة، ولا يهمنا أن تكون قوةً اقتصاديةًَ سياسيةً اجتماعيةً أياً كان الشكل، المهم أن تأثير هذه القوة سيكون رهيباً، وأن الأحداث سوف تؤكد ذلك بما لا ريب فيه.
ووحدة أوروبا ومع الاتحاد السوفيتي مع أمريكا التي تحدثنا عنها في محاضرات سابقة، عندما تصبح حقيقة واقعة، فإن الذي سيدفع الثمن بالدرجة الأولى هو العالم الإسلامي؛ لأنه -كما سنستعرض- هو العدو المستهدف بالدرجة الأولى لكلا القوتين، بل نستطيع من الآن أن نقول: إنهم أصبحوا قوة واحدة صليبية يهودية كما أخبرنا الله تعالى آيات كثيرة، منها قوله تعالى:{وَلا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَكُمْ حَتَّى يَرُدُّوكُمْ عَنْ دِينِكُمْ إِنِ اسْتَطَاعُوا}[البقرة:٢١٧]{وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}[البقرة:١٢٠]، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ}[المائدة:٥١] فهم الآن بعضهم أولياء بعض، ويشكلون قوة دولية واحدة، ولذلك نتائجهم خطيرة كما أشرنا على هذا العالم من أي زاوية نظرت، وفي أي مجال اتجهت، أعني: على العالم الإسلامي بالدرجة الأولى.