فضيلة الشيخ سفر نريد أن تحدثنا عن فقه الدعوة، وبعض ما قد يفعله المجتهدون، وربما قد يكون من عوائق الدعوة؟
الجواب
الكلام طويل جداً في هذا، ولا أدري أي عقبة يريدها السائل، فكل طريق الدعوة عقبات، وكل ما تحدثنا هو من العقبات، عقبه النفس والهوى والشيطان، وعقبه كيد الكائدين، فهي عقبات كثيرة، وفقه الدعوة باب واسع، ولهذا من رسل الله الكرام -وهم صفوة خلقه وخيرتهم- من احتاج أن يعلمه الله تعالى فقه الدعوة بالعمل مثل يونس عليه السلام {إِذْ أَبَقَ إِلَى الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ}[الصافات:١٤٠] فالله تعالى يريد أن يعلمه أن الإنسان الداعية، يدعو إلى الله -تبارك وتعالى- ويصبر ويصابر ولا يعجل وهكذا فإذا كان الأنبياء -صلوات الله وسلامه عليهم- يعرض لهم شيء من هذا والله تعالى له حِكَمٌ عظيمة جداً، والله تعالى اختار منهم أولي العزم، وهم الذين صبروا وثابروا امتازوا عن غيرهم بهذا فما بالك بنا نحن؟ لا بد أن تعرض لنا أمور كثيرة من الضعف والفتور، ومن العقبات التي نحن بأنفسنا أكثر ما نعاني منها، وأكثر العقبات هي العقبات الداخلية، قال تعالى:{وَإِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا لا يَضُرُّكُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئاً}[آل عمران:١٢٠] والعقبات الخارجية هي أهون ما يلاقي المؤمن لو أننا اتقينا الله تبارك وتعالى وصبرنا على ما يصيبنا، فالطريق كله محفوف بالمتاعب من أوله إلى آخره.
يقول الإمام أحمد -وهو من تعلمون في الدعوة والعلم والإيمان، حتى أثنى عليه العلماء بما لم يثنوا به على أي عالم آخر بعد صحابة رسول الله -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- والتابعين-: 'لا يجد المؤمن راحةً دون لقاء ربه'.
فالراحة الكبرى إذا جاءتك الملائكة، وبشرتك أن لا خوف عليك ولا حزن وأبشر بالجنة التي كنت توعد؛ هنا في هذه اللحظة ترتاح، أما قبل ذلك فإنه لا تأمن فتنة، ولا ابتلاء، ولا تأمن الضعف، ولا العداوة، لا تأمن إلا في الحالات التي ذكرها الله -تبارك وتعالى- في الجنة:{وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنَا لَغَفُورٌ شَكُورٌ}[فاطر:٣٤].
معناه: أنهم كانوا في الدنيا في حالة حزن، فأبدلهم الله بالنعيم "الجنة"، وقالوا في الآية الأخرى:{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ}[الطور:٢٦] فلما كانوا مشفقين في الدنيا صابرين أورثوا هذه الجنة، لكن لو كانوا في الدنيا مرفهين ومنعمين لن ينالوا هذا، ولهذا قال الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ * أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[يونس:٧ - ٨].
فعلينا أن نوطن أنفسنا على أن نكون من أهل التقوى، والعلم وأهل العمل، وأهل الصبر واليقين.
وأهم ضابط في الدعوة كما في قوله تعالى:{قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:١٠٨] والآية الأخرى قوله تعالى: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥] وهذه بينت الحالات الثلاث التي لا تخلو منها دعوة: إما أنها مع الموافقين فتحتاج إلى حكمة، وإما أنها مع الغافل فيحتاج إلى الموعظة الحسنة، وإما مع المخالف فيحتاج إلى جدال بالتي هي أحسن، فالضابط في الآية الأولى قوله:(أدعو إلى الله) لا ندعو إلى أنفسنا، ولا إلى مشايخ نحبهم، ولا ندعو إلى انتماءات ننتمي إليها، لا ندعو إلى أي شيء إلا إلى الله، وما بعده فهو تبع له، فهذه الآية آية الدعوة احتوت أعظم الغاية في الدعوة وأعظم الوسائل، في الدعوة {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ}[يوسف:١٠٨] وختمت {وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ}[يوسف:١٠٨] فأعظم ما ندعو إليه توحيد الله، وأعظم ما نحذر العالم منه الشرك بالله، ثم المعيار في هذا العمل بين هذا وهذا: البصيرة، والبصيرة: أمر يجمع بين العلم النافع وبين العمل الصائب، فالإنسان إذا كان لديه علم نافع وليس له عمل صائب فلا يوصف بأنه من أهل البصيرة، ومن كان لديه عمل وإن كان يتحرى فيه الصواب لكنه بلا علم فإنه ليس من أهل البصيرة، والحمد لله رب العالمين.