للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[كيفية تنظيم الأوقات للاستفادة منها]

السؤال

نحن نعاني من عدم قدرتنا على تنظيم أوقاتنا، فكما تفضلتم تجدنا يعجبنا كتاب فنشتريه، ثم نرى كتاباً آخر فنترك الأول، قبل أن تنتهي منه وهكذا نضيع كثيراً من أوقاتنا، فبماذا تنصحوننا في توزيع أوقاتنا، والاستفادة منها؟

الجواب

هذا الأخ صادق، ومعاناته صحيحة، وكلنا عانينا ذلك، وهذا الكلام، لم أقله لأني بريءٌ منه، بل عانيناه، وما نزال نعاني منه، وكلنا معرضون لعاطفة تفور أو لتفريط وضعف -نسأل الله العفو والعافية- لكن نقول: هذه القضية بالذات هي قضية القضايا من حيث المنهج العلمي عند الشباب، أول شيء أن بعض الشباب يتصور أنه يجب أن يكون هو وجميع من يدعون إلى الله علماء، وهذا من أعظم الأخطاء في هذا المجال.

ولذلك تجد أن هذا الأخ المسكين الذي لم يؤهل لأن يكون عالماً يضيع ويتعب، لأنك تكدح به في غير ما خلق له، ما خلق لهذا الشيء، فهو لما استقام واهتدى جئت به إلى شيخ، فجلس أسبوعاً، أسبوعين، أو شهراً، أو شهرين، ثم تعب، ولم يستطع أن يواصل، أعطيته كتاباً أعجب به، قرأه ثم لم يستطع أن يكمله، فأخذ الكتاب الثاني، والثالث، والرابع، والقضية ليست في الكتاب إنما هي في ضعفه.

وفي جميع عصور التاريخ العلماء يعدون على الأصابع قلة، لكن هل الدعاة قلة؟ هل من يغير حال الأمة من الشرك إلى التوحيد، ومن المعصية إلى الطاعة، ومن البدعة إلى السنة قلة؟ هذا مستحيل، لو كانوا آحاداً لما تغيرت، كيف كان شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمة الله عليه؟ كيف علمه؟ لكن انظروا كيف كان لما غير المنكرات، ولما حارب التتار، ولما حارب الروافض والباطنية، كانت معه أمم وألوف، والدعوة إلى الله هكذا.

نحن الآن مشكلتنا أننا نريد أن كل من يهتدي أو يستقيم، نقصره قصراً، ونصبه في قالب طلب العلم، وبعض الناس يكون مسكيناً، فيترك وظيفته، ويقول: أطلب العلم، وقد يأتيك شخص ضابط، أو يأتيك شخص مهندس، يقول: ما رأيك أدخل الجامعة الإسلامية، أو معهد الحرم! لماذا؟ أنت أين تشتغل؟ يقول لي: كذا وكذا، لكن أريد أن أطلب العلم.

يا سبحان الله! ولماذا تطلب العلم؟ ومن قال لك أنك من الضروري أن تطلب العلم، أنت يكفيك أن تحضر وأن تتعلم ما ينفعك من الأساسيات التي تعبد ربك تعالى بها، وتستقيم وتعرف طريقك في الحياة، وتعرف الحق في الجملة، لكن التبحر والتوسع في المسائل هذا ليس من شأنك.

ونحن لا نقول هذا تحيزاً ولا تعصباً، لكن بعض الناس يفهم ذلك خطأً.

لكن هذا الأخ في موقعه الذي هو فيه ينفع الله تعالى به، ونقول له: أنت ادعُ الناس، وادعُ في مجالك، وانفع الإسلام بما تستطيع في مجال عملك الذي أنت فيه، أما أن تتركه وتأتي لطلب العلم، فهذا غير معقول أن تتحول الأمة كلها إلى طلبة علم يجلسون في المساجد، أو في المدارس ويتحلقون حول العلماء! هذا غير معقول أصلاً.

فالصحابة رضوان الله تعالى عليهم أطهر وأفضل جيل.

وأحرصهم على العلم والحق والخير، لكن كم كان علماء الصحابة؟ وكم كان المكثرون من الحديث؟ وكم هم المتعرضون للفتوى من الصحابة وكذلك من التابعين؟ عدد قليل، لكن الكل كان يدعو إلى الله، الكل كان يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، يغير بحسب موقعه، وبحسب بيئته، وبحسب ما يستطيع، أما من يتصدر لقضية العلم بالذات فليس كل أحد.

فإذاً يا أخي قد يكون بعض هؤلاء -كما شكا السائل- لم يؤهل لأن يكون طالب علم، لكن هذا السائل يمكن أن يبذل من ماله للدعوة إلى الله، ويمكن أن يبذل من وقته في إنكار المنكر، ويمكن أن يبذل من خبرته العملية في معرفة بعض الأمور التي تعين الدعوة على أن تتوسع في المجالات المختلفة، وأن تدخل في جميع القطاعات، فيكون هذا باباً عظيماً للخير، وأنت تريد أن تجعل منه تابعاً صغيراً في الحلقة! فهذا أحد الاحتمالات.

الاحتمال الآخر: هو العجلة والملل، فالشاب يمل، ومن طبيعة الإنسان الملل، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {لكل عملٍ شرة}، ولكن بعد الشرة فترة، فيأتي الاندفاع، ولكن يعقبه الفترة ويعقبه الضعف، وقد يكون هذا هو السبب.

ومما يعين الإنسان على ذلك أنه في الأصل يبدأ بمنهج معقول، فلا يحلم في الخيال، لكن يأتي بشيء معقول يستطيع أن يحققه، ويسلك ذلك مع إخوة له في الله ليعينوه، فكلما ضعف سددوه وأعانوه وساعدوه، حتى يصل الجميع بإذن الله إلى ما يريدون، ولو انضبطت الجوانب العلمية عندنا على مناهج معينة لما وجد ذلك الحرج، أي: يكون عندنا كتب أساسية يجب أن تدرس في العقيدة وفي الفقه وفي غير ذلك، وهذه يجب أن تدرس وأن تعلم بالنسبة للدعاة وطلبة العلم.

فمهما وجد الإنسان فيها من تعب أو ملل أو صعوبة فإنه يجب أن يوطن نفسه، وأن يحتسب صبره ليكمل الكتاب، كما يحتسب صبره على طاعة الله، وكما يحتسب صبره عن معاصي الله التي حرم الله، فيحتسب أيضاً صبره حتى يفهم هذه المسألة، وحتى يفهم هذا الكتاب.

ثم مسألة أخرى أو جانب آخر، قد تكون أنت مهيأً لأن تكون قارئاً أو مفسراً لكتاب الله، لكن لست مهيأً لعلوم الحديث والرجال، فلا تقصر نفسك على هذا أيضاً، وهذا شيء آخر:

إذا لم تستطع شيئاً فدعه وجاوزه إلى ما تستطيع

وبعض الإخوان يريد أن يلم بالأصول وهو لا يستطيع عليها، لكن يقدر في الفقه، فليجعل نفسه في الفقه أو العكس وهكذا.

فكن مع سجيتك وطبيعتك وموهبتك التي أعطاكها الله تبارك وتعالى.