والمؤامرة أحبطت أو كادت أن تحبط وتدمر، وبعد ذلك انتقلت المؤامرة على هذا الدين إلى نطاق أوسع، حيث أظهر الله -تبارك وتعالى- الدولة العثمانية -هؤلاء الأتراك- وكان فضل من الله -عز وجل- أن يظهروا، وتقدم زحفهم إلى داخل أوروبا، وفتحوا معظم بلاد جنوب شرق أوروبا، بل وشرق أوروبا.
حتى أنهم كما تعلمون دخلوا بولندا وحاصروا فيينا لمدة سنوات، فأرعب ذلك أعداء الإسلام رعباً شديداً، كيف أن هذه الدولة الفتية تتغلب على روسيا، وتتغلب على دول شرق أوروبا وغربها، وعجزوا عن مقاومتها، فكان الحل! وهو أنهم استعانوا بتلك الطائفة الحاقدة -وتكونت المؤامرة من جديد- حيث كان في شرق العالم الإسلامي في بلاد الفرس الدولة الصفوية فجاءت هذه الدولة، فكان كلما تقدمت الدولة العثمانية في أوروبا تقدم الصفويون في داخل البلاد العثمانية، فاحتلوا العراق ودخلوا إلى بلاد تركيا نفسها، وهكذا كانوا كلما زحف الإسلام في أوروبا، يأتون فيطعنونه بخنجرهم المسموم من الخلف، فتضطر الدولة العثمانية أن تسحب جيوشها من أوروبا، فتقضي بها على الصفويين في المشرق.
وهكذا أكثر من قرنين أو قرابة ثلاثة قرون من الزمان حتى تم إنهاك الدولة العثمانية، ولم تستطع أن تقاوم تلك الغزوات من الخلف ومن الأمام.
ونحن الآن لسنا في قضية تقييم الدولة العثمانية، لكنها بلا شك لم تكن تملك مقومات البقاء الحقيقي، ولهذا حصلت المؤامرات عليها.
وانتقلت المؤامرات بعد ذلك في صورة جديدة، حيث إن أوروبا نهضت النهضة القوية التي تعلمون، في ميدان الحياة، وفي الصناعة، وفي كل أمور الحياة المادية الدنيوية، وبذلك بدأت المعركة تأخذ طابعاً جديداً، وألف أحد الوزراء الأوروبيين كتاباً مشهوراً مائة مشروع لتقسيم تركيا، ذكر فيه بالتفصيل أن أوروبا بالتعاون مع الصفويين المجوس أعدت مائة مشروع لتقسيم العالم الإسلامي -الذي كانت تسميه تركيا، لأنها كانت تحكمه بأجمعه تقريباً- ويفشل المشروع تلو المشروع، حتى كانت الحرب العالمية الأولى، فتحقق نجاح المشاريع، وقضي على تلك الدولة، واقتسم الاستعمار الشرقي والغربي الدول المستعمرة، كما في إتفاقية (سايكس بيكو) التي قسموا العالم الإسلامي فيها وأخضعوه.
ومن هنا بدأت المؤامرة في مرحلة جديدة، وفي حرب جديدة، وهي الحرب الفكرية والمعنوية للقضاء على الإسلام، لأنهم جاءوا إلى الأمة الإسلامية وهي ممزقة، وهي ضعيفة منهكة مرهقة، وهم جاءوا بحضارات علمية وبتقدم مادي، ومعهم أيضاً خططهم الفكرية، وخطط أخرى عقلية رهيبة، فأخذوا يدبرون ويحيكون المؤامرات للقضاء على الإسلام من خلال وجودهم وقوتهم العسكرية في هذه البلاد.
الأمة الإسلامية إذا واجهت مواجهة عسكرية حربية، فإنها مهما طال الزمن فإنها ستنتصر، وهذه حقيقة أصبحت لا شك فيها في تاريخ الأمة الإسلامية، فقامت في كل بلد تقريباً ثورات ضد هؤلاء المستعمرين الصليبيين الجدد، وكانوا في الخفاء يبيّتون لإنشاء الدولة اليهودية.
وهذا ما يدلنا على أن المؤامرة ثلاثية الأطراف: صليبية ويهودية ومجوسية، ففي عام (١٩١٧م) أو حوله صدر "وعد بلفور " بعد نهاية الحرب العالمية الأولى، وكان الهدف منه هو إعادة بلاد فلسطين إلى ملك اليهود، أي إنشاء وطن قومي لليهود في قلب العالم الإسلامي وفي أرض الإسراء، وهذا ما مهدت له قوى الشر والمؤامرة جميعاً، وأخذ ينفذ بالتدريج، فكانت الحرب على جميع المستويات: منها حرب لأولئك المقاومين الذين قاوموا الاستعمار، وحرب أعظم وأشرس منها لهدم الإسلام من الداخل.