هذه أيام تمضي شاهدة لنا أو علينا، والحجة قائمة، وإن كانت في أي مكان قائمة؛ فهي في هذه البلاد أكثر قياماً، ونحن إن شئنا الحق فهو موجود.
والمسلمون في بعض البلاد يريدون أن يقوموا بما يفرض عليهم، فيفرض عليهم ألَّا يفعلوا، فيريدون -مثلاً- أن يقرءوا القرآن، أو فعل أي عمل آخر ويفرض عليهم ألَّا يعملوا.
وأيضاً: كيف يقومون بذلك وهم لا يجدون العلم الصحيح ولا يجدون الدعوة الصحيحة؟ وأما نحن فمن فضل الله علينا أن العلم -عندنا- والوقت والمال والأمن كله موجود، وكل ما يوفر لنا العبادة متيسر وموجود، وحلقات الذكر موجودة، وتعليم القرآن متيسر، وإن كان في بعضها شيئاً من المشقة.
وكما أننا في مواسم الدنيا قد نسهر ولا ننام فلنكن كذلك في مواسم الخير؛ فالحجة قائمة، والعلم بين أيدينا ظاهر، فما من حرام حرمه الله ورسوله ونرتكبه إلا ونحن نعلم أنه حرام، لهذا نخشى العقوبة؛ لأنه لا حجة لنا عند الله ولا عذر لنا بين يدي الله، فإننا نسمع العلماء في الإذاعة وفي الأشرطة المسجلة، وإن شئنا اتصلنا بهم بالهاتف ليفتونا ويعطونا الأدلة.
فأين نحن من العمل؟! إذاً فهذا محك واختبار، فلنختبر أنفسنا -قبل أن يأتي هذا الشهر- ولنعدها، فالفرق بين المؤمنين والمنافقين: أن المؤمنين يعدون العدة وقد لا يبلغون ما يريدون، أما المنافقون فإنهم لا يعدون العدة؛ ولهذا قال الله تعالى عنهم:{وَلَوْ أَرَادُوا الْخُرُوجَ لَأَعَدُّوا لَهُ عُدَّةً}[التوبة:٤٦] فالمنافقون لو كانوا -حقاً- يريدون الخروج، لأعدوا له العدة؛ ولذلك فإن نفاقهم يظهر في عدم إعدادهم للعدة.
ونحن إذا أعددنا العدة بأن نطيع الله في هذا الشهر، وأن نتقي الله فيه، وأن نبعد أنفسنا عن كل ما حرم الله، ونجعله فرصة لنطيع الله طوال العام وإلى أن نلقى الله؛ فإذا عزمنا على ذلك؛ وفقنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى؛ وكان هذا من صدق الإيمان ومن صدق الاستقبال لهذا الشهر الكريم؛ وإذا أخلفنا ولم نُعِدَّ العدة؛ فمهما منَّينا أنفسنا؛ فإننا لن نحقق إلا الخسارة، ولا خسارة أكبر من أن يخسر الإنسان نفسه ووقته ويجوع ويعطش، وغاية ما فيه أنه أجزأه هذا الصوم.
مع أن بعض الناس قد لا يجزئه صومه إذا ارتكب ما يفسد إيمانه، كالشرك بالله، وكالنفاق الكلي؛ فهذا يفسد الإيمان كله ويحبطه كله، لكنَّ ما يُنغص الصيام من المعاصي والشهوات، وتعلق القلب بالمحرمات، إن لم يحبط الأجر كله؛ فإن أعلى ما يحصل عليه صاحبها؛ أن يسقط عنه فريضة الصوم، فإذا نظرت بعد ذلك إلى الذي عمل واجتهد، فادَّخر عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أعظم الذخر، فأعتق من النار، ورُفِعَتْ درجته عند الله؛ علمت أنك في خسارة وغبن وتفريط! وهي أيامٌ وليالٍ مرت بك وبه، ولكن شتان بين حالك وحاله!! وأكرر النصح والوصية لي ولكم؛ بأن نتقي الله تعالى في رمضان وفي غير رمضان، وأن نعد العدة في استقبال هذا الشهر العظيم بإيمان صادق، وإخلاص لله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وعمل صالح، وتجارة رابحة مع الله تبارك وتعالى، وأن نكف أنفسنا عمَّا حرم الله، وأن نأمر بالمعروف، وأن ننهى عن المنكر، وأن نكون رسل خير وهداية مذكرين واعظين لإخواننا المسلمين بما قد لا يعرفونه عن حرمة هذا الشهر وعن فضله وخيره.
نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يتقبل منا ومنكم وأن يتوب علينا وعليكم.