للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الصحافة]

نأتي -أيضاً- إلى ملحظ آخر وهو الصحافة: كانت الصحافة تطالب من بعيد، وأحياناً تتقدم خطوتين وتتأخر خطوة، وفي تلك الأيام أو البدايات الأولى ظهرت دعوى قوية -والحمد لله- مضادة لهذه الحركة، ونذكر منها الأستاذين الفاضلين الكاتبين، الأستاذ أحمد محمد باشميل، والأستاذ أحمد محمد جمال، اللذان ألفا: لا يا فتاة الحجاز، ومكانك تحمدي، فمن قرأ الكتابين وجد أنهما رد على دعوة كانت قائمة في البلاد، والمملكة كانت فيها مجلات كثيرة، كان أي أحد يستطيع أن يفتح مؤسسة ويعمل مجلة، فكانت كثيرة حتى كان هناك مجلة اسمها البعث، وصدر منها عدة أعداد، وكانت مفتوحة حتى نزلت المؤسسات الصحفية.

المهم أن الصحافة أخذت بنصيبها وأخذت على عاتقها نفس الدعوة وسايرت الجمعيات، وسايرت التلفاز، وظهرت الدعوة بوضوح بعد مقتل الملك فيصل وظهور الصحافة الأمريكية، وتعليق الصحافة الأمريكية بأن موت الملك فيصل هو بداية عصر جديد في السعودية للتحرر، وإذا بالجرائد ومنها جريدة الرياض تقول نفس العبارات: إن المرأة السعودية ستشهد عصر النور والانفتاح، وقد مضى عصر الظلام! بهذا النص.

وكتبت جريدة الرياض في أحد الأعداد، تقول: إنه قد يأتي اليوم الذي تكون هناك المقاهي المختلطة في الرياض لا في باريس بل في الرياض، ويجلس الرجل والمرأة في المقهى ويستمتعون ويشربون الشاي، ويكون -أيضاً- هناك ممثلون وممثلات، ودور السينما، وأخذ المقال يفيض بهذا الكلام، وإذا كان ذلك سيتحقق فلم لا نتعجل به، إذا كانت الدعوة تريد ذلك.

في أثناء ذلك -أيضاً- ظهرت ضمن الصحافة جريدة اليوم التي تصدر في المنطقة الشرقية وظهر أحد الشعراء وقال القصيدة المعروفة:

مزقيه مزقيه ذلك البرقع مزقيه أي ذل أنت فيه أي شؤم أنت فيه أي ليل أنت فيه أي قبر أنت فيه مزقيه مزقيه واسألي يا بنت رب العالمين واسألي من أنزل الآيات والسور هل يخفى القمر

أعوذ بالله، يريد أن تكفر بالله، وأن تسأل الذي أنزل الآيات والسور لماذا ينزل الحجاب؟ نسأل الله العفو والعافية.

فتحرك بعض أهل الخير وكانت تلك الأيام -مع الأسف- سنوات الطفرة، فالناس مشغولون بالسهرات وبالعمارات، لا يوجد متفرغ للثاني، لكن تنبه من تنبه، وعوقبت الجريدة بعقوبة صارمة للغاية! فأغلقت ثلاثة أيام!! وكان من المفروض أن يقام حد الردة، وهنا نقف وقفة.

حد الردة ما من حدٍ يسقط فلا يقام، إلا وتظهر عقوبة ذلك في المجتمع، متى أقيم حد الردة على أي ملحد؟ أيعقل أننا مع هذا الفساد العظيم ما ظهر فينا ملحد من سبعين سنة؟! معقول! ما وجد فينا مرتد من سبعين سنة! لو أقيم حد الردة على واحد والله لزجرت أمم وألوف من الناس، ولذلك طوي ملف الحداثة وحفظ، وإلا فالردة الصريحة موجودة فيه، لو حوكم أصحابه على الردة وقتل منهم اثنان، أو ثلاثة، أو أربعة، ومن قبل الحداثيون الأوائل، الذين ركبوا الموج أخيراً وغيروا، وإلا فدواوينهم معروفة، ونساؤهم معروفات، كن يخرجن في الرياض، وهم الآن يتمسحون باسم الدين، ويقولون: إن الفتوى ستتغير بتغير الأزمان والأحوال، هؤلاء أنفسهم هم أول من تبرجت زوجاتهم، وأول من طالبن قبل الحداثيين بالإلحاد والكفر، والفجور.

فالمهم أنه لما لم يقم على هؤلاء ولا على هؤلاء حد الردة، حتى تجرأ من تجرأ والله المستعان.

وفي هذه الفترة -أيضاً- ظهرت الدعوة عبر الصحافة إلى دور السينما، وقالوا: لا بد من وجود سينما في المملكة تراقب، كما ظهرت الدعوة في مصر، وقالوا: من اللازم أن توجد بيوت للبغاء وللدعارة، وتراقب صحياً واجتماعياً خير من أن البلد يكتسب الزنا ويصاب بالمرض، قالوا: تراقب؛ فظهرت، وتبنت جريدة عكاظ الخطة بعد أن تركها الأستاذ أحمد غفور عطار، وقد أعلن براءته منها بعد أن تبنت هذا الخط، ودعمتها جريدة الرياض، والجزيرة واليمامة وغيرها، وقامت بقوة، وانفردت جريدة المدينة بالوقوف ضد الدعوة إلى دور السينما، حتى أن واحداً من المعلقين الكبار، قال: دور السينما لا بد أن يوجد، وأيضاً نشكر الأستاذ أحمد محمد جمال، والأستاذ صالح جمال أخوه، ووقفتهما التي وقفوها ضد هذا التيار.

وأذكر أننا كنا في السنة المنهجية هنا في الجامعة، وأعددنا تحليلاً لتلك الأيام، فاشترك بعض الإخوة بمقالات صغيرة أرسلت إلى الجريدة؛ ويشهد الأستاذ أحمد محمد جمال ومن فرحته ومن غربة من يتكلم في هذا الموضوع، كتب عنواناً بخط كبير: لست في الميدان وحدي، وقال: "الحمد لله جاءني تشجيع، جاءتني رسالة من طالب جامعي يكتب في الموضوع، ولا زلت أذكر العناوين التي كان يكتب بها بعنوان: (لا تهدموا هذا الكيان الكبير) يقول: هذه الدعوة هدم لهذه المملكة الكيان الكبير، هذه الدعوة إلى الإباحية وإلى ظهور المرأة في المسرح، هذه دعوة لهدم هذا البلد وهدم الجيل، وكان هذا ما كتب، وجزاه الله خيراً، وهناك من كتبن ضد هذا الموضوع من أسرة الأستاذ صالح بالذات.