يذكر أيضاً الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى مثالاً آخر قصيراً لكنه عظيم جداً.
قال وهيب بن الورد أحد العباد المشهورين المعروفين: بينما امرأة في الطواف ذات يوم وهي تقول: يا رب! ذهبت اللذات وبقيت التبعات التبعة هي: المسئولية، أي: ذهبت اللذة، كسهرة ليلة، وجلوس مع فاجرة، وسماع لأغنية، ومجلس شر، إلى آخره، ذهبت اللذة تلك الليلة وانتهى؛ لكنه في الديوان ما تزال مسئوليته مكتوبة، فالإنسان يلقى الله يوم القيامة وقد انقضت اللذات؛ ولكن بقيت عليه التبعات.
قالت: يا رب! ذهبت اللذات وبقيت التبعات، يا رب! سبحانك، وعزتك إنك أرحم الراحمين، يا رب! ما لك عقوبة إلا النار؟ الله أكبر! انظروا لَمَّا الله تعالى أيقظ قلبها بالإيمان.
يا رب! ما لك عقوبة إلا النار؟ لأنها تذكرت، ليس بعد هذه الدار من دار إلا الجنة أو النار، فتعجبت، لا إله إلا الله: ما لك من عقوبة إلا النار؟ يعني: ليس هناك أي مخرج آخر؟ نعم، إما الجنة {فَمَنْ زُحْزِحَ عَنْ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ}[آل عمران:١٨٥] هذا فاز؛ لكن إن كانت النار، فما هي النار؟ لو سيرت فيها جبال الدنيا لذابت من شدة حرها، أعوذ بالله، ليس هناك غير هذا.
إذاً: ما الحل؟ وما المخرج؟ قالت: يا رب! ذهبت اللذات، وبقيت التبعات، يا رب! سبحانك وعزتك إنك أرحم الراحمين، يا رب! ما لك عقوبة إلا النار؟ وكانت معها امرأة أخرى صالحة تمشي معها قالت: يا أخية! دخلتِ بيت ربك اليوم؟ تظن أنها دخلت الكعبة، قالت: والله ما أرى هاتين القدمين أهلاً للطواف حول بيت ربي فكيف أراهما أهلاً لأن أطأ بهما بيت ربي وقد علمت حيث مشتا، وأين مشتا سبحان الله العظيم! تذكرت أن هاتين القدمين مشتا إلى معاصٍِ وفجور، والآن جاءها الندم، فكان تذكُّرها لتلك المعاصي والذنوب أعظم دافعٍ -بتوفيق الله سبحانه وتعالى- لأن تستقيم، وأن تستشعر هذا الشيء.
امرأة عامية، ما عندها كثير علم، كما قال الأعرابي: لا أحسن دندنتك، ولا دندنة معاذ؛ لكن عندها هذا الفهم العجيب: ما لك عقوبة إلا النار؟ شيء عجيب لو أن العاقل تفكر، هذه العبارة الصغيرة والله إنها تكفي عِبَراً لأي معتبر، ما لك عقوبة إلا النار؟ يعني لو أن هناك مخرجاً آخر، لو أن هناك ملاذاً أو ملجئاً.
إن لم تكن من أهل الجنة فإنها إلى النار.
والنار هي ما علمنا.
إذاًَ: يا رب، أين الملاذ؟ أين المهرب؟ أين المنجى؟ فلذلك تابت وحسنت توبتها وكانت على ذلك.
وأقول: الكتاب قيم حقيقةً كما قلت لكم، ولو أنه يُعلَّق عليه لوجدتم فيه فوائد عظيمة جداً.