للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الفرق بين الحكمة والتساهل في الدعوة إلى الله]

السؤال

قد يختلط على الإنسان أحياناً التفريق بين الحكمة والتساهل في الدعوة إلى الله، فربما يتخذ مسألة الحكمة وعدم الاستعجال سبيلاً إلى التهاون والتساهل، فهل من توضيح لهذا؟

الجواب

هذه مع الأسف حقيقةً! وأصبح ذلك ذريعة للتهاون، فإذا نصحت إنساناً، فإنه يقول: يا أخي! الدعوة تكون بالحكمة.

بعض الذين يقولون هذا الكلام، لا نراه يدعو أبداً، فإذا وجد داعية يدعو، قال: لا بد من الحكمة، إلى متى الحكمة؟! وما معنى الحكمة؟! ثم هو لا يقول الحق، ولا يأمر بالحق ولا يظهره، فإذا تكلم إنسان، وقال كلمة الحق، قال: يا أخي! لا بد أن يكون بالحكمة! وهذا مما يعانيه الشباب ويعانيه الدعاة، أن هناك من يعكس الأمر.

الحكمة لا يجوز أن تكون سلاحاً في وجه من يأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، ويدعو إلى الله؛ لأن الدعوة إلى الله والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر دائماً معارضة لرغبات الناس ولشهواتهم؛ فالجنة حفت بالمكاره، وأما النار فحفت بالشهوات، فالإنسان إذا دعا إلى الله، وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، فلابد أن يصادم رغبات الناس، فالناس يريدون أن يناموا إلى ما شاءوا، لا يريدون القيام لصلاة الفجر، فإذا قلت له: يا أخي! جزاك الله خيراً، قم صلِّ الفجر، جاءك شخص، وقال: يا أخي بالحكمة، فهل قصده ألا تكلمه البتة؟! وإذا نصحت إنساناً -زوجته متبرجة- بالأسلوب الحسن، وهو عكس رغبتها؛ لأنها تريد أن تخرج، تريد أن تذهب إلى السوق، لا نتوقع أن الأسلوب ما دام حسناً وما دام حكيماً أن الزوج يقول: جزاك الله خيراً، والمرأة تتحجب! بل ربما ينكرون ويصيحون! ويأتيك أحدهم يعاتبك، وما سمع بالقصة، ويقول: يا أخي، لو دعوت بالحكمة! وأي منكر أنكرته، أو كلمة حق أظهرتها وقلتها، فإنهم يأتونك ويقولون: لو كانت بالحكمة! لكن ما هي الحكمة؟ الإنسان قد يستنفد كل أسباب الحكمة، ومع ذلك لا يُقبل، ويكون مخالفاً لرغبات الناس، فالناس دائماً تريد المدح، وتحب الثناء، قال تعالى: {وَيُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} [آل عمران:١٨٨].

فإذا قلت له: أنت على خير، وأنت طيب، سُر من ذلك وهو يعرف أن هذا غير صحيح.

لكن لو قلت: يا أخي! أنت وأنت، ومدحته، ثم قلت له: هناك أمر أريد أن أنبهك عليه، وأتيته بأسلوب كأنك تحدثه عن شخص غيره وقال: يا شيخ لو كلمته بحكمة! وهذه مشكلة! فيجب علينا نحن أن نضبط عواطفنا ونفسياتنا، ولا نترك الأمر بالمعروف ولا النهي عن المنكر ولا كلمة الحق، وأي شيء نرى فعلاً أنه بحكمة، نجتهد في ذلك، ونتوكل على الله، وعليه التكلان دائماً قبل العمل وبعده، فنتوكل عليه ونجتهد في الحكمة.

فإذا جاء إنسان وقال: هذا خلاف الحكمة.

نقول له: بَصِّرْنا كيف نعمل! فإن كان عنده بصيرة، أو رأي جزاه الله خيراً، وإن كان كما نلاحظ هذه الأيام، يريدون ألا نقول ولا نعمل ولا ندعو؛ باسم الحكمة! فهذه ليست حكمة، بل هذا خذلان وتثبيط، وترك لما أوجب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ولا يجوز أن نقر الناس على هذا.

حقاً إن الحكمة أصبحت سلاحاً يشهر به في وجه من يدعو إلى الله، ويقول كلمة الحق، وإن كانت بأحكم ما يمكن أن تكون من الحكمة، والله المستعان! والنفوس لا تقبل الحق، وهكذا جبلت، وهكذا طبعت، لكن لا بد من الصبر عليها، ولله عاقبة الأمور.