وإليكم نص التوراة التي يستند إليها اليهود في هذا الوعد المفترى، وأما الوعد الحق الذي وعد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى به أولياءه فمعروف لدى الجميع وسنعرض له في الأخير، ولكنا نريد البدء بالمستند الأساسي لليهود في دعواهم، الذي يبني الغرب موقفه من القضية عليه.
في سفر التكوين، وهو أول أسفار التوراة تبدأ القصة العجيبة في عهد نوح عليه السلام، وهي المفتاح لفهم ما سيجري من وعد لإبراهيم عليه السلام.
تقول التوراة المحرفة: 'وابتدأ نوح يكون فلاحاً، وغرس كرماً، وشرب من الخمر، وسكر، وتعرى داخل خبائه، فأبصر حام أبو كنعان عورة أبيه، وأخبر أخويه خارجا، فأخذ سام ويافث الرداء ووضعاه على أكتافهما، ومشيا إلى الوراء، وسترا عورة أبيهما ووجهاهما إلى الوراء، فلم يبصرا عورة أبيهما، فلما استيقظ نوح من خمره علم ما فعل به ابنه الصغير فقال: ملعون كنعان، عبد العبيد يكون لأخويه، وقال: مبارك الرب إله سام، وقال: ليكن كنعان عبداً لهم يفتح الله ليافث فيسكن في مساكن سام، وليكن كنعان عبداً لهم اهـ.
' هذا النص هو مفتاح الدراسة في عدد هائل من المدارس الإنجيلية في الولايات المتحدة الأمريكية، وعدد هذه المدارس لا يقل عن عشرين ألف مدرسة، يتلقى الدراسة بها الملايين من التلاميذ -كما سنبين إن شاء الله-، يفتتحون دراساتهم بهذا الكلام وتتفتح مداركهم عليه.
ثم بعد ذلك تأتي أوصاف في عدة إصحاحات من هذا السفر تصف أرض كنعان، فتقول التوراة المحرفة في الإصحاح العاشر: 'كانت تخوم الكنعاني من صيدون (صيدا اليوم) حينما تجيء نحو الجرار إلى غزة، وحينما تجيء نحو السدوم وعمورة إلى لاشع ثم يقول: قال الرب لإبرام اذهب من أرضك، ومن عشيرتك، ومن بيت أبيك، إلى الأرض التي أريك، فأجعلك أمة عظيمة وأباركك، وأعظم اسمك، وتكون بركة، وأبارك مباركيك، ولاعنك ألعنه، وتتبارك فيك جميع قبائل الأرض، واجتاز إبراهيم في الأرض إلى مكان شكيمى إلى بلوطة مورة، وكان الكنعانيون حينئذ في الأرض، وظهر الرب لإبرام وقال: لنسلك أعطي هذه الأرض ' وقال في الإصحاح السابع عشر: 'أقيم عهدي بيني وبينك وبين نسلك من بعدك في أجيالهم عهداً أبدياً؛ لأكون إلهاً لك ولنسلك من بعدك وأعطي لك ولنسلك من بعدك أرض غربتك، كل أرض كنعان ملكاً أبدياً '.
ومن الغريب أنه في السفر نفسه يحدد أن الختان هو علامة من يرثون الأرض، وهذا يذكرنا بالحديث في صحيح البخاري -حديث هرقل - الذي قال فيه: 'إنني رأيت في المنام أن ملك الختان قد ظهر' والنصارى لا يختتنون، قيل له: لا يختتن إلا اليهود، فإن شئت تأمر فتقضي على كل من في مملكتك من اليهود، ولما جاءوا له بـ أبي سفيان أيقن بالتأويل الصحيح للرؤيا بعدما سأله الأسئلة العجيبة في دلائل النبوة، وشهد قيصر هرقل بأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هو الموعود بذلك، ولكنهم يحرفون كل هذه النبوءات والمبشرات.
.
وفي الإصحاح الخامس عشر تحدد التوراة المحرفة الأرض التي هي ملك وحق أبدي، فتقول: 'لنسلك أعطي هذه الأرض من نهر مصر إلى النهر الكبير نهر الفرات ' ثم بعد ذلك يقول في الإصحاح (٢٧): 'يستعبد لك شعوب، وتسجد لك قبائل، كن سيداً لإخوتك، وليسجد لك بنو أمك، ليكن لاعنوك ملعونين، ومباركوك مباركين' هذا ليعقوب، وبعد ذلك يذكرون أن يعقوب نام بين بئر سبع وحران في أرض فلسطين فرأى الله فقال له: 'أنا الرب إله إبراهيم أبيك وإله إسحق، الأرض التي أنت مضطجع عليها أعطيها لك ولنسلك، ويكون نسلك كتراب الأرض، وتمتد غربا وشرقا وشمالا وجنوباً، ويتبارك فيك وفي نسلك جميع قبائل الأرض'.
وأقل الأمم في الدنيا الآن اليهود، ومع هذا أكثر اليهود في العالم الآن ليسوا من بني يعقوب، وإنما من يهود العرب والأوروبيين وغيرهم، فإذن كم يبقى من اليهود الذين من ذرية يعقوب عليه السلام؟! فالواقع يشهد أن هذه الوعود ليست لبني إسرائيل وأنهم يكذبون ويفترون على الله حين يجعلونها فيهم، وإنما هي في بني إسماعيل.