ثم وجدوا أن هذا لا يكفي، فأصبحوا يسجلون ما في الجلسة وينشرونه على الناس، ويأتي شاب قد يكون حديث عهد بالاهتداء يريد أن يعرف الحقيقة، وأن يعرف طريق الجنة والنار، فيقال له: خذ هذا الشريط واسمع، فيذهب ويسمع، فماذا تكون النتيجة؟ إذا سمع الطعن في فلان وفلان وفلان وفلان، فهل سيهتدي؟! هل سيحب الدعاة؟! هل سيخلص لله؟! هل سيقنت في طاعة الله؟! هل سيشعر بالخشوع في صلاته؟! هل سيقبل على قراءة القرآن برغبة؟! عندما يسمع هذه الطعون في العلماء والدعاة والمشايخ، الذين كل الناس من حوله يتحدثون عنهم ويسمعون لهم، فيزدادون إيماناً إذا سمعوا كلامهم، فسيتبلبل ذهنه لا شك بسبب هذا الكلام، لما فيه من بهتان وظلم يمرض قلوب الخاصة، وقد شكا من هذا بعض العلماء الكبار، وقال: عندما سمعت هذا تأثرت وتألمت وتكدرت! وهو من العلماء الذين هم في درجة عالية من العلم، فكيف بطالب علم مبتدئ؟! ماذا تتوقعون أثر مثل هذا الكلام على هذا المسكين في عبادته وإيمانه؟ قد ينتكس.
وقد كُتِبَ إليَّ أن بعض حالات الانتكاس حدثت! ويقولون: قد كنا نثق في هؤلاء! إذاً لا خير فيهم جميعاً، وخاصة أن الطاعنين متهورون؛ فمن أول مرة تجلس معه يطعن في المعروف الموثوق، والنتيجة أنك تخسر هذا وهذا قطعاً، فأنت عادة إذا سمعت أن إنساناً يشكو ويخاصم إنساناً، تتحفظ عما يقول عنه، لأنك تعلم أن هذا من منطلق عداوة وخصومة، والله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أمرنا أن يكون حالنا عند الخصومة:{ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ}[فصلت:٣٤] حتى لو عاداك ولو ظلمك، فكيف بإخوانٍ لكم لم يظلموكم، ولم يمسوكم، أو يتكلموا عنكم بسوء، ولم يقعوا في أعراضكم؟! أقول عن نفسي وإخواني هؤلاء: ما عملنا شيئاً من هذا بعد أن افتروا وظلموا وبهتوا، فكيف نفعله قبل ذلك؟! لا نستحله ولا نستزيده، ونحن نترفع عن هذه الأمور عملاً بقول الله تبارك وتعالى:{خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ}[الأعراف:١٩٩] وقوله: {وَإِذَا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَقَالُوا لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجَاهِلِينَ}[القصص:٥٥] وقوله: {وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَاماً}[الفرقان:٧٢] وهذه آداب تأدبنا بها والحمد لله، لكنهم لم يكونوا كذلك! أما أسماء الأشرطة فمتعددة، فواحد "الجماعات" وواحد باسم "السرورية" وواحد باسم "البراءة إلى الله" إلخ.
فالأسماء مختلفة، والمضمون واحد، وهو مثل هذا البهتان والإفك المبين.