[تعظيمه وتطهيره من المعاصي الظاهرة]
يجب تعظيم وتطهير هذا البيت الحرام، وهذه البقعة الطيبة الطاهرة من المنكرات والمعاصي الظاهرة.
ونحن نشاهد في الأيام التي يسمونها أيام العطلة أو الإجازة -والتي يتوافد فيها الناس والحمد لله على هذا البلد الحرام- كثيراً من المظاهر التي تدل على أن هؤلاء الناس من المقيمين أو القادمين لا يعظمون شعائر الله، ولا يعظمون هذا البيت كما أمر الله تبارك وتعالى.
فبعضهم يأتي إلى هذا البلد الحرام وما يكاد يتحلل من عمرته حتى ينطلق في الأسواق، ويرتع في الملاهي وفي ترك الفرائض، وتبدأ النساء بالتبرج، والتهتك، وتكون من المصائب والأمور ما يضج بها المؤمنون، ويضج منها هذا البلد الحرام.
وهذه مأساة كبرى ومصيبة عظمى، مع ما هو معلومٌ من ضعفٍ في الهيئات أو المؤسسات القائمة على الإنكار، لكن يزيد الطين بلة أن تأتي هذه الجموع فتنتشر المحرمات من السفور والتبرج وترك صلاة الجماعة، فترى الناس أكواماً وجماعات حتى بالقرب من المسجد الحرام، وتقام الصلاة ولا يجدون من ينكر عليهم من أهل البلد، وهذه من المنكرات ومن المظاهر الدالة على أن هؤلاء لا يعظمون شعائر الله، ولا يعظمون ما عظم الله تبارك وتعالى.
وإنه مما يثير العجب أن يجد الإنسان أن هنالك مظاهر كثيرة كان بالإمكان أن تتدارك، ومن ذلك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فلو أننا أمرنا بالمعروف ونهينا عن المنكر، وكل من ذهب إلى الصلاة أمر وحث إخوانه عليها، وكل من كان في السوق وأقفل دكانه أمر ونهى إخوانه -أيضاً- بذلك وحثهم عليه، ولا يشترط أن يكون عضواً في الهيئة كما يتبادر إلى أذهان البعض، بل كل من رأى التبرج أو السفور أو الانحلال أو المغازلات أو ما أشبه ذلك من المعاكسات فإنه يبادر وينكر، لو فعلنا هذه الأمور لأحيينا هذا الأمر العظيم.
إن تركنا للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، هو -أيضاً- من عدم تعظيم شعائر الله، فيتبلد الحس على المنكرات والمعاصي والذنوب، حتى تصبح مألوفةً نسأل الله العفو والعافية.
وأعظم من ذلك وأشد منه، وهو من المنكرات الدائمة في هذا البلد الحرام، في مواسم الخير وفي كل العام، وهو مما يدمي قلوب المؤمنين ويجرح مشاعرهم، ويتنافى مع تعظيم هذا البلد وتعظيم حرمات الله: أن نجد منارات أو علامات أو شعائر ما حرم الله تبارك وتعالى تنتشر في هذه البلدة الطيبة الطاهرة.
ومن أوضحها البنوك الربوية التي -كما ترون في هذه الأيام- يكتتب البعض في جلها، ويحذر العلماء وعلى رأسهم سماحة الشيخ الوالد عبد العزيز بن باز -رحمه الله- من هذا الاكتتاب.
والواجب في الحقيقة -كما تعلمون- وكما هو ظاهر من فتاوى علمائنا الأفاضل، وهو صريح كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ألا توجد هذه العمارات أو المنارات أو الشعائر -شعائر الضلال والفجور والمعصية- ولا يجوز أن تبقى في هذا البلد الحرام، في أي مكان، وفي أي زمان، فعندما يجد الحاج أو المعتمر أو المقيم أن هذه الأجهزة أو المؤسسات الربوية قائمة في هذا البلد ثم يسكت، فالذي يحدث -كما ترون- أن الناس يألفون هذا المنكر ويصبح لديهم أمراً مألوفاً، ثم بعد ذلك يصبح الإنكار على من أنكره، وهذا بلا شك من عدم تعظيم شعائر الله.
وفي الجاهلية -كما تعلمون- كانوا يستحلون المحارم ومنها الربا، ولم يكن العرب-أقول هذا بكل أسف- يعلنون الربا بمثل هذا الإعلان، وبمثل هذا الشكل الصريح الذي يفعله الإنسان في هذا العصر حول بيت الله الحرام، نسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرفع هذا البلاء عن المسلمين إنه سميعٌ مجيب.
ويلحق بذلك مما يتنافى مع تعظيم شعائر الله ما يجده القادم إلى هذا البلد أو المقيم فيه من انتشار أماكن لبيع اللهو والفساد ومشجعات الرذيلة من محلات بيع الأفلام الخليعة الماجنة ومحلات الأغاني.
ويعجب الإنسان كيف توجد هذه الملاهي وهذه الدواعي إلى الرذيلة والدعارة والفساد في هذا البلد الحرام، وكيف استجاز أصحابها أن يفتحوها فيها، وكيف استجاز القائمون على الأمر أن يسكتوا عن وجود هذه الأمور.
والله إنها لمصيبة عظيمة أن يأتي الحاج من أقاصي الدنيا، وإذا به يجد الأفلام والأغاني التي يراها في أوروبا وأمريكا، تباع بجوار بيت الله الحرام، بل حتى في الأسواق، يعلقون تلك الملابس المتعرية الشفافة التي لمجرد رؤيتها تستثار الشهوة وتستحث الرذيلة- نسأل الله العفو والعافية- وكأنهم في مكان ما غير بلد الله الحرام، وكأن الأمر لا يهم هؤلاء الناس في شيء.
فهذه في الحقيقة من المنكرات الظاهرة العظيمة التي تتنافى مع تعظيم شعائر الله، وتعظيم هذا البلد الذي أمر الله تبارك وتعالى بتعظيمه.
ومن أكثر ما ينتشر في هذه البلدة الطاهرة -أيضاً- مما يجب أن ينبه عليه من المحرمات الأخرى: الغش في التجارة، الذي استغله كثيرٌ من الناس في المواسم، وفي أيام العطل أو غيرها مما يكثر فيه الناس؛ فيغشون في المعاملات، ويطففون في المكيال والميزان، ويخرجون ويبيعون ما قد انتهى تاريخه من البضائع ولا يتحرجون من ذلك، ويغشون في المساكن وفي أمور كثيرة جداً، ويقولون: هذا موسم! فيقال لهم: من أباح وأحل لكم -بما أنه موسم- أن تفعلوا هذا، وأن تنتهكوا شعائر الله التي أمر الله تبارك وتعالى بتعظيمها، وأن تقدموا على غش إخوانكم المسلمين الحجاج أو الزوار، أو من جاء لتعظيم شعائر الله؟! فأصبح المؤمن يجد الحرج الشديد والكرب العظيم في إنكار المنكرات؛ لأنها من كثرتها تستدعي جهوداً عظيمة وأجهزة متخصصة، وتعاوناً جدياً وثيقاً من طلبة العلم.