[مخاطر عمل المرأة]
أجاب على هذا السؤال الشيخ: سفر الحوالي ثم الدكتور: عدنان غلام.
السؤال: الموضوع مهم جداً، ويمس الناس أجمعين، وقَلَّ أحد إلا وهو متأثر به، لذا فإنها مسئوليةٌ عظيمة، هذا الغزو الفكري أو الخطر الفكري الذي يهدد أسرنا المسلمة يجب أن نعيه، وأن نهتم به، وأن نوجد الحلول، وأن نبعد هذا الخطر عن أنفسنا بكل ما نملك.
نود أن ننتقل الآن إلى خطر آخر يهدد الأسرة المسلمة، وكما قلت لكم سابقاً، هذه الأخطار الفكرية تتسلل إلينا وقد يكون للبعض العذر في عدم الاطلاع عليها، لأنها تغزو الفكر، وتأتي قليلاً قليلاً، ومع هذا فالعلماء والدعاة يُحَذِّرون، ولكنْ هناك خطر مادي يَمْثُلُ أمامنا، ونراه يتحرك، ونراه يزداد، ونحن غافلون! إن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عندما خلق الذكر والأنثى، أعطى لكلٍ منهما مهمة في هذه الحياة، كلف الرجل بالقوامة، فجعله قيماً، وألزمه بالإنفاق، وهذا يشغل كثيراً من الوقت، ثمان ساعات في النوم، ومثلها أو أكثر منها في العمل، لنقوم بجزء القوامة، للإنفاق على أسرنا وعلى من نعولهم، وكلف الله المرأة بعمل آخر لا يحسنه البتة أحدٌ غيرها، وإن تواطأ عليه الإنس والجن.
إن بقاء هذا الجنس البشري مرهون في أن تحمل المرأة وأن تلد، وبعد أن تلد تحضن أولادها، وتحنو عليهم، وترضعهم سنتين، ثم تربيهم وتغذيهم غذاءً مادياً وفكرياً، حتى يشبوا عن الطوق، ويخرجوا إلى المجتمع، وقد بلغوا شيئاً من العقل.
الخطر المادي الذي نراه متمثلاً أمامنا قد اجتاح أمماً كثيرة، بل اجتاح الأمم كلها في مشارق الأرض ومغاربها، ووراءه مقولة خطيرة، لو سمعها الإنسان لأول وهلة، يقول: صحيح، نصف المجتمع عاطل، النساء في البيوت، ماذا يعملن؟ إنتاجية المجتمع هابطة، لو اشتغل هذا النصف الموجود في البيوت، لازددنا ارتقاءً، وازددنا حضارةً، وكنا أكثر في القوة المادية، وهذا يخدع الكثيرين، وقد خدعت مجتمعاتٌ كثيرةٌ بهذه المقولة، ووجهٌ آخر من هذه المقولة يَخُصُّ الفردَ نفسه، يقولون له: امرأتك عاطلة في البيت، هذه الأسرة يمكنها أن تزيد من دخلها، لماذا لا تخرج المرأة، وتعمل بضع ساعات، وهي تنفع الوطن وتنفع الأسرة بزيادة الدخل؟ فبدلاً من أن يكون للأسرة دخل خمسة آلاف ريال، يصبح لديها سبعة آلاف ريال أو ثمانية آلاف ريال.
إن مسألة عمل المرأة وخروجها من بيتها، ومزاحمتها الرجال، سواءٌ في الأعمال أم في الأسواق مسألة خطيرة، تهدد الأسرة المسلمة، ونود من شيخنا سفر -جزاه الله خيراً وثبته- أن يبين لنا تفاصيل هذه المقولة؟ وكذلك خطأها من صوابها، وما حدث في الأمم التي مشت في هذا الاتجاه؟
الجواب
هذه قضية كبيرة وخطيرة، وهي قضية عمل المرأة، ولن نستطيع أن نعطيها حقها، ولكن حسبنا أن نشير إلى ما يوفقنا الله عز وجل إليه في هذه القضية.
يكفيكم من كل أمر حامله وداعيه لتحكموا عليه!! من الذي يدعو إلى أن تخرج المرأة، وإلى أن تشارك في بناء الوطن كما يقولون؟ من الذي يدعو لذلك؟ فكل دعوة تأتيك يجب عليك أن تنظر إلى قائلها وحاملها.
لقد جاء النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وأنزل الله تبارك وتعالى عليه الشريعة الكاملة الخالدة التي تكفلت بصلاح العباد إلى قيام الساعة، فما وجدنا فيها هذه الدعوى، بل وجدنا ضدها، وهذا كتاب الله بين أيدينا، وهذه سنة النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بين أيدينا، وهناك نص صريح محكم في ذلك وهو قوله تعالى: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى} [الأحزاب:٣٣] فلا يستطيع بشر أن ينسخ حكماً من أحكام الله عز وجل، المرأة أساساً حياتها في بيتها، وخير لها ألا ترى الرجال ولا يروها، وإن كانت في طريقها إلى المسجد، وصلاتها في قعر بيتها أفضل من صلاتها في المسجد، مع عدم الاعتراض عليها إن رغبت أن تذهب إلى المسجد في حالات معينة، وفي شروط معينة، لكن الأصل في صلاة المرأة هو البيت، وهي الصلاة! وهي العبادة!! هذه قاعدة، ولا ننظر إلى واقعنا مهما ابتعد عنها، لكن هذا هو الأصل، أربعة عشر قرناً والأمة الإسلامية على هذه الحالة الفطرية، مهما انحرفت أو ابتعدت في تقاليد أو ما أشبه ذلك من انحراف، لكن تبقى القاعدة في ثبات، وهو أن المرأة عملها في البيت، ودروها عظيم في إنجاب الأطفال، وفي تربيتهم، وفي أعمالٍ في البيت تستطيع أن تعملها، والرجل عمله خارج البيت، وعلى ذلك سارت الحياة.
ولم تظهر هذه الدعوى إلا في العصر الحديث، بعد قدوم الاستعمار وبعد انحطاط الأمة، وأول من دعا إلى خروج المرأة ومشاركتها -وسموه تحرير المرأة- هم النصارى الأقباط في مصر ونصارى لبنان الذين أنشئوا جرائد ومجلات، وكانت صحفهم أول ما صدر من الصحف في العالم العربي، وكانت مجلات وصحف نصرانية، أنشأها أولئك الذين تلقوا تعليمهم وحياتهم في مدارس الإرساليات التبشرية، كالكلية الإنجيلية، التي سميت فيما بعد بالجامعة الأمريكية في بيروت، هذه الكليات الإنجيلية أخرجت ذلك الجيل الذي كان أول جيل يطالب بحرية المرأة، ويصرح بأنه يريد لها أن تصبح كالمرأة الغربية، تماماًَ سواء بسواء.
ولو نظرنا إلى دعاة الخير، وإلى العلماء، وإلى أهل الغيرة والصلاح، فلن تجدهم يدعون إلى هذه الدعوة، إنك لو فتشت: لن تجد من يدعو إليها إلا من هو مشكوكٌ في إخلاصه لأسرته، ولبلاده ولدينه، لابد من ذلك، بل ممن يكتبون عن دعوى تحرير المرأة، أو خروج المرأة ومشاركة المرأة، منهم من له أمٌّ لم يزرها من سنة أو أكثر، منهم من تكون له زوجة، والعلاقة بينه وبينها أسوأ ما يمكن، ولا يسمح لها ولا يعطيها شيئاً مما يقول: إنه حرية، وتقر هي أيضاً أنه حريه، وقد تكون له أختٌ، وهو مقاطع لها غير زائر ولا واصل لها، ومع ذلك يكتب ويقول: نريد أن تخرج المرأة، لماذا؟! والله عز وجل قد بين ذلك، فقال: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ)) [النساء:٢٧] وهذه الآية ذكرها الله عز وجل من ضمن الآيات التي تتحدث عن موضوع العلاقات يبن الرجال والنساء: {وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلاً عَظِيماً} [النساء:٢٧].
يريد سكرتيرة أو زميلة أو صديقة في المكتب، امرأة متفرنجة متبرجة، يلهو ويعبث معها، ولذلك يقول: لابد أن تخرج المرأة، وأن تعمل المرأة، ليس غرضه أن ينمي اقتصاد بلاده، ولا أن يطور وطنه، ولا يهتم بوضع المرأة، ولا يرثي لها، إذ يسميها الحبيسة في بيتها، فهذا خروج على فطرة المرأة، حتى وإن كانت هذه المرأة كافرة أو مشركة، فالمجتمعات النصرانية واليهودية والبوذية، وكل المجتمعات التي تريد أن تحافظ على أخلاقها، تستغرب وتستنكر ذلك، والآن في العالم الغربي الذي خرجت فيه المرأة إلى أقصى ما يمكن، وجدت جمعيات تسمى (جمعية العودة إلى البيت) مكونة للنساء، ويطالبن بالعودة إلى البيت، وأن تقوم الأم برسالتها الحقيقية وهي الأمومة، فليس هناك رسالة أعظم منها، المرأة عاطفية بطبيعتها، مهما عملت، ومهما أخذت من مرتب، فأعظم وأعز شيء لديها أن تحتضن ابنها، لو قلت لها، ما رأيك احتضانك لابنك هذا وتقبيله، أفضل عندك أم هذا المرتب وهذا المنصب؟! فإنها سوف ترمي بالمرتب وبالمنصب مهما كان.
والآن أصبحنا نقرأ على صفحات الجرائد: المرأة التي تقول: لم يرغب فيّ ولم يخطبني أحد، لأنني جامعية، ولأنني موظفة، أنا مستعدة أن أترك العمل, وأن أرمي بالشهادة إذا وجدت الشاب الذي يقبلني زوجة!! في مجتمعنا أصبح هذا الشيء موجوداً، لماذا؟ لأننا أخرجنا المرأة عن طبيعتها وعما فطرت عليه، إن دعوى إخراج المرأة للعمل هدمٌ للأمة من نواحٍ كثيرة من ذلك: أنه يهدم الأمة بشرياً وعددياًَ، ونظراً لأن الذين يثيرون هذا الكلام، كثيرٌ منهم لا يريد أن يسمع كلام الله ولا ذِكْرَ الله، فلنضرب لهم الأدلة من واقع الدول الغربية.
في روسيا الشيوعية الملحدة التي تجاهر بإنكار وجود الله عز وجل، وتجاهر بأن الأسرة هي أثر من آثار البرجوازية القديمة، والتقاليد البالية، في روسيا المرأة التي تنجب -مثلاً- عشرة أطفال تُعْطَى وساماً معيناً تحمله، تركب الحافلات مجاناً، تدخل أي مطعم مجاناً، تخفيضات لها أينما ذهبت؛ لأنها بطله قومية، أنجبت للأمة عشرة أطفال، ونحن نقول: (يجب أن تخرج المرأة وأن تعمل).
في فرنسا: القضية تدرس دراسة عميقةً جداً وكذلك في ألمانيا في إيطاليا، وإن كان يبدو أن فرنسا تهتم أكثر، لأنها تريد أن تبقى قوة مسيطرة، لأن إنجلترا فقدت مكانتها كقوة دولية، وتريد فرنسا أن تستبقي ذلك، وهذا الموضوع من أخطر ما تدرسه فرنسا، موضوع تكثير النسل، وإيطاليا من أكبر الدول الأوروبية، ومع ذلك هناك إعانات مخصصة لكل طفل يولد، وحث مستمر على الزواج.
بيوت الزنا والدعارة، لا تنتج أطفالاً، إلا أطفالاً معروفاً وضعهم إن جاءوا، ولذلك يحثون على الزواج، ويحثون المرأة على أن تنجب الأطفال، ويأتون بالجوائز السخية، والإعانات لكل مولود يولد، لماذا!؟ لأنهم لا يؤمنون بالله واليوم الآخر، بل يؤمنون بالمادة، فيقولون: حتى تعوض المرأة، تقول: لو كنت أعمل سأحصل على ألف ليرة، مثلاً، لكن لو أنجبت أطفالاً، سأحصل على خمسمائة أو مائتي ليرة، فتوازن راحتها النفسية مع هذه الثلاثمائة، فتقبل الزواج والإعانة وتترك العمل، أصبحوا في واقع حالهم يضجون من واقع هذه المأساة الرهيبة التي يعيشونها.
ولكن في بلاد الإسلام، يأتي أناس فيقولون: نصف المجتمع معطل، ولابد أن تخرج المرأة من بيتها، أين مساهمة المرأة في تنمية بلادها، فهذا هدمٌ بشري أن تخرج المرأة، وأن يتعطل الإنجاب وأن يصبح المجتمع كما هو في