فلا بد أن يكون لدينا الصبر على طلب العلم، والصبر على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، ونحن -ومع الأسف- نعلن عن بعض المشاريع في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو بعض المبادرات الخيرة فلا نصبر، أحدنا يقول: قد ذهبنا إلى السوق مرات ولم نستفد، سبحان الله! النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول:{رأيت النبي ومعه الرجل والرجلان، والنبي وليس معه أحد} ونحن اليوم نملُّ من الدعوة لأن بعض الناس استجابوا وبعضهم لم يستجب! لقد ظل نوح -عليه السلام- يدعو قومه ألف سنة إلا خمسين عاماً لم يمل ولم يكل، والنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جاهد قومه، ودعاهم إلى الله -عز وجل- كثيراً، فطريق الدعوة هو طريق الصبر على الأذى:{وَلَنَصْبِرَنَّ عَلَى مَا آذَيْتُمُونَا}[إبراهيم:١٢] والصبر إما على الطاعة، أو عن المعصية، أو على الابتلاء.
أما نحن فقد ضقنا ذرعاً حتى بالدروس العلمية، فبعض الإخوة يلقي المواعظ والدروس، وفي أول الأمر يحضر عنده عدد عشرين ثلاثين طالباً، ثم ينقص العدد فيقول: لقد صاروا أربعة أو خمسة ثم يترك، وما علم أن هناك علماء كبار يستمرون ثلاثين وأربعين سنة على خمسة طلاب أحياناً أو على عشرة ولا يملّون، والذين يعرف قيمة العلم ينظر لهذه القضية من زاوية أخرى، من زاوية أنه ينفق علمه، والعلم إن لم تنفقه ضاع، فلا تنظر إلى كثرة من حضر واستفاد؛ لكن انظر إلى أنه يجب عليك أن تُعَلِّم.
ولهذا لو قلت اليوم: أنا اقرأ ما تيسر من كتاب الله، وشيئاً من السنة، بعد صلاة الفجر، ثم أقوم بعد صلاة العصر، فأعظ به الناس في المسجد، فإن هذا العلم سيثبت في ذهنك، لكن في الأيام التي لا تعظ فيها بما قرأت فإنكن كله أو بعضه، ففما يثبت العلم ومما يحفظه الوعظ به، وتعليمه، والعلم هو الشيء الذي يزيد بكثرة الإنفاق منه، وأما غيره فينقص بالإنفاق ولو كان البحر على كبره.
أيضاً لا يوجد عندنا صبر حتى على التعلم، وما أكثر هذا ومع الأسف، فبعض الإخوة نطلب منهم ونلاحقهم شهوراً على التعلم ثم إذا جاء فلا يلبث حتى يترك محتجاً بأن الكتاب لم يعجبه، أو أن الشيخ يطيل أو غير ذلك، وكأن الطالب يريد أن يفعل الشيخ كما يشاء هو، وهذا أول شرط من الشروط التي تخل بطلب العلم، فطالب العلم يجب عليه أن يوطن نفسه على أن يتعلم كما يريد الشيخ، وقد كان بعض الأئمة المحدثين الكبار يرحلون إلى آفاق بعيدة من أجل الحديث والحديثين.
بعض الناس يجلسه الحياء أول الأمر -والحياء خير كله- وكما قال النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{أما الأول فآوى فآواه الله وأما الثاني فاستحيا فاستحيا الله منه} فالذي لا يريد أن يستفيد، فليأتِ من باب الحياء.
وعندما يأتينا من يريد أن يعلمنا، ونعرف أن له فضلاً، ولن يتكلم إلا بخير فلنحضر ولو كان لدينا أعمال، أو ظننا أننا لن نستفيد منه، وكم من محاضرات وكتب وأشرطة تركناها نظن أن لدينا ما هو أهم وأعظم فائدة فإذا بدأنا بها ندمنا وقلنا: ليتنا قرأناها من قبل.
كم من أناس نقول عنهم إذا أرادوا أن يحاضروا أو يدرسوا: من هو هذا في العلم والمعرفة؟ فإذا حضرت له استفدت، وهذا فيه احترام وتقدير للزائر، ولن تخلو من فائدة -إن شاء الله تبارك وتعالى- فهذه كلها داخلة في نطاق الصبر.