[ما قدر الله حق قدره من نفى التحسين والتقبيح للعقل]
ثم قال:(وكذلك لم يقدره حق قدره من قال: إنه يجوز أن يعذب أولياءه ومن لم يعصه طرفة عين، ويدخلهم دار الشقاء، وأن يثيب أعداءه ومن لم يطعه طرفة عين ويدخلهم دار النعيم، وأن كلا الأمرين بالنسبة إليه جائز، وإنما الخبر المحض جاء عنه بخلاف ذلك).
وهذا من إنكار الحكمة، فهو تابع لموضوع إنكار الحكمة أو إنكار التعليل.
لكن هنا أيضاً ملحظ آخر وهو أنهم يقولون: إن العقل لا يحسن ولا يقبح، فلو أن الله تبارك وتعالى -كما يقولون هم- أتى بأفضل الأولياء وأدخله النار فذلك جائز، وأتى إلى أعدى أعدائه وهو الشيطان وأدخله الجنة فذلك جائز عقلاً، لكن الشرع جاء بخلاف ذلك، فلولا أن الخبر الشرعي جاءنا لقلنا يحتمل هذا وهذا، تعالى الله عما يصفون! لا والله لا نعتقد ذلك، بل الله تعالى أعطانا من العقول ما نعرف أن هذا الأمر لا يليق به، إذاً: العقل له دخل في معرفة التمييز بين الحق والباطل، في معرفة الصواب من الخطأ من خلال ما يأتي في الوحي تفصيله وبيانه، ولهذا وصف الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأنه الرسول النبي الأمي الذي يأمرهم بالمعروف وينهاهم عن المنكر ويحل لهم الطيبات ويحرم عليهم الخبائث، قال تعالى:{وَيُحِلُّ لَهُمْ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ الْخَبَائِثَ}[الأعراف:١٥٧] وهي تدل على منهج أهل السنة والجماعة ولا تدل على مذهب الأشاعرة وذلك لأن الله وكل إلينا معرفة الطيبات من الخبائث بعقولنا، ولو كان العقل لا يحسن ولا يقبح لما كان لهذه الآية أية دلالة.
وهذا دليل على أن الله سبحانه وتعالى فطر الناس، وركز في عقولهم قدراً يعرفون به الحق، فيأتي الشرع فيصدقه، ولو عرض عليهم دين آخر باطل محرف لما قبلته عقولهم، بل تقول عقولهم: لا يمكن أن يكون هو دين الله تبارك وتعالى.
يقول: قال تعالى: {وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلاً ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ * أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ}[ص:٢٧ - ٢٨] سبحان الله! هل يمكن هذا؟! كل الأمم اليوم إلا من عرف الله تعتقد ما نفاه الله، تعتقد أنه خلق السموات والأرض وما بينهما باطلاً، وأنه يجعل المتقين كالفجار والفجار كالمتقين، والمفسدين كالمصلحين، لأنهم ينكرون البعث والجزاء والحساب.