للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قيمة الوقت عند المسلم]

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على عبده ورسوله الأمين محمد وعلى آله وصحبه والتابعين.

وبعد: فإن مما تشهد له الآيات والأحاديث أن الوقت هو الحياة، وقد نبه الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عباده المؤمنين إلى ذلك بتنبيهات عظيمة، لا ينبغي لمسلم أن تفوته، بل يجب على كل مؤمن أن يتذكرها ليعرف قيمة العمر، وقيمة الوقت والحياة، ومن تلك التنبيهات العملية التي يعيشها المسلم كل يوم: هذه الصلوات الخمس التي شرعها الله تبارك وتعالى، وجعلها على المؤمنين كتاباً موقوتاً.

وأكثر إنسانٍ في هذه الدنيا يعرف قيمة الوقت هو المؤمن، لأنه أول ما يستيقظ يعلم أن الوقت وقت صلاة الفجر، فإذا صلى الفجر يعلم أنه بعد ساعات سيأتي وقت صلاة الظهر، فإذا جاء الظهر، يَعدُّ ذلك فاصلاً بين وقتٍ ووقتٍ آخر، ثم يصلي العصر ويعد ذلك استقبالاً لوقت آخر غير الوقت الذي مضى، فإذا غربت الشمس وصلى المغرب علم أنه قد استقبل ليلة جديدة، ثم إذا صلى العشاء علم أن وقتاً قد انتهى، وأنه من الآن فصاعداً علي واجبات وأعمال أقضيها في الوقت الباقي.

وهكذا بهذه الصورة المبسطة التي لا تخفى على أي عاقل، فالمسلم مهما كان عمله فإنه يرى أن وقته ما هو إلا هذه الأيام، وهو مجزأ بهذه الطريقة، وكذلك -أيضاً- العمر كله والسنة كلها، كيف يجدها الإنسان؟ تبدأ السنة -مثلاً- في محرم والإنسان يعمل بما شرعه الله -سبحانه- في هذا الشهر، ويبدأ يُعد لعام جديد، ثم يستقبل أيامه ويعلم أن هذه الشهور هي اثنا عشر شهراً في كتاب الله يوم خلق السماوات والأرض منها أربعة حرم، ثم يأتي أعظم الشهور وهو رمضان ويعقب رمضان شوال، ثم الحج، فينتهي العام بانتهاء الموسم، ويجد المؤمن أنه ما بين رمضان ورمضان كأنه ما بين لحظة ولحظة، وما بين الحج والحج كأنه ما بين لحظة ولحظة، ولكن بدورة هذه المواسم، وبدورة هذه الصلوات في اليوم، يشعر المسلم بقيمة الحياة وبقيمة الوقت، وأما الأمم التي لا تعرف هذه المواسم والعبادات فتوقيتها هو توقيت بأعياد مجونها وفسقها وخلاعتها، كعيد رأس السنة مثلاً.

بل كما يقول شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية: 'الأمم الوثنية الهمجية في الهند والصين، وبعض أطراف البلاد التي ليس لها دين ولا كتاب كانت لا تعرف الأسابيع ' فلا تعرف الأسبوع ولا تعرف الأيام كما نعرفها نحن، فعندنا الوقت مجزأ، فيوجد يوم في الأسبوع هو يوم عيد، وهو يوم الجمعة، ولنا فيه واجبات تختلف، وعبادات تختلف عن الأيام الأخرى، فنشعر أن اليوم قد مضى، لأن الظهر صليناه والعصر صليناه، إذًا فقد أتى المغرب، إذاً فاليوم انتهى فنشعر بذلك، ونشعر بأن الأسبوع قد انقضى لأننا صلينا الجمعة، ونشعر بأن السنة تمر لأننا صمنا رمضان، وجاء الحج، والعبادات: وهي أركان الإسلام الثلاثة الصيام والحج والزكاة، مبنية على الحول أيضاً وهي التي تحسب الحول، كلها مما يذكر بأهمية الوقت وبأهمية العمر، فما الذي يصرف الإنسان وقته فيه.