[معنى العيد]
الحمد لله رب العالمين، الرحمن الرحيم، مالك يوم الدين، وصلى الله وسلم وبارك على خير خلقه محمد الأمين، وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين.
وبعد: فلا ريب أن لكل قول داعياً وموجباً، وهذه المحاضرة موجبها وداعيها في هذه الأيام هو أنه - كما تعلمون - بعدما يقارب الشهر تقريباً سوف يكون عيد بل عيدان من أعياد المشركين، وقد عهدنا أن الكفار يقيمون أعيادهم في الشركات والمؤسسات والإدارات والمجمعات السكنية علانية أو بما يشبه العلانية.
كما عهدنا أن من المسلمين من يشاركهم في ذلك ويحضر ويشهد هذا الزور العظيم، وتبدر منهم أفعال لا تليق بمن يعرف الله ورسوله، ومن هداه الله تبارك وتعالى إلى الصراط المستقيم وأمره بمخالفة المغضوب عليهم والضالين، ومجانبة طريق أصحاب الجحيم، ولذلك أردنا أن نجعل هذا الدرس إعذاراً إلى الله تبارك وتعالى وإبلاغاً لكم ولكل من تبلغه، وإنذاراً لأولئك الذين قد يفعلون هذا المنكر: إما لأنهم كفار لم يلتزموا بما أمر الله تبارك وتعالى به، ولا سيما في بلاد الإسلام وإما لأنهم في غفلة فليتعلموا وليعرفوا حكم الله تبارك وتعالى وليذكروا بالله وبما شرع الله تعالى في مثل هذا.
وإما لأنهم معاندون كما قد يبدر من بعض المنتسبين إلى الإسلام فيعاندون ويصرون على إقامة هذا المنكر بين ظهرانينا.
ففي هذا الكلام قبل أن يأتي ذلك الموسم إنذاراً لهم بأننا لن نسكت ولن ندع هذا المنكر يمر أبداً، ونحن إذا قمنا بهذا الواجب فإن ذلك لن يقع أبداً -بإذن الله- وليكن في علمهم أن ما مر في كل سنة، فلن يمر -بإذن الله- في هذه السنة مهما كان الأمر، فإننا لن ندع هذا المنكر أبداً بكل وسيلة مشروعة من وسائل الإنكار، وسوف نذكر بعض الحلول والوسائل في آخر الدرس بإذن الله عز وجل.
فهذا الذي أردنا أن ننبه إليه، وأحب أن كل واحد لا يفوته ذلك، فهذا منكر جلل، وخطب عظيم، والواجب علينا جميعاً أن نقوم في ذلك بقدر الطاقة، كل من موقعه، وبحسب مسئوليته، والله تعالى سائل كل واحد منا عما علم ولم يعمل به، وعما سمع من دين الله ولم يبلغه.
وعندما نقول أو نتحدث عن حكم الاحتفال بأعياد الكفار، فإن من أول ما ينبغي أن نعرفه، ما معنى العيد؟ ذكر شَيْخ الإِسْلامِ ابن تيمية رحمه الله في كتابة العظيم اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم هذا، وذكر أحكاماً أخرى عظيمة نورد بعضاً منها إن شاء الله، وقبل ذلك نوصي كل أخ منكم باقتناء هذا الكتاب القيم النفيس، ولا سيما النسخة التي حققها أخونا الفاضل الدكتور ناصر العقل، وهي موجودة متداولة، وكذلك تراجعون ما ذكره وسطَّره الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه أحكام أهل الذمة، وما ذكره أيضاً العلماء في أبواب الفقه في مواضع وكتب كثيرة تعرضت لذلك، ومنها ما أوجزه شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله في آخر الجزء الخامس والعشرين من مجموع الفتاوى.
أقول: إن شَيْخ الإِسْلامِ رحمه الله عرّف العيد فقال: " العيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو مكان لهم-أي للكفار- فيه اجتماع، وكل عمل يحدثونه في هذه الأمكنة والأزمنة".
إذاً: فالعيد اسم جنس يدخل فيه كل يوم أو كل مكان يجتمع فيه الكفار، ويحدثون فيه شيئاً من خصائص دينهم، والنهي الوارد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يشمل ذلك كله، كما يشمل حريم العيد.
يقول: " وكذلك حريم العيد، وهو: ما قبله وما بعده من الأيام التي يحدثون فيها أشياء لأجله، أو ما حوله من الأمكنة " فهو كما يشمل المكان الذي يكون فيه العيد؛ فإنه يشمل ما حوله من الأمكنة التي تعد حريماً لذلك المكان، يشمل النهي عن العيد كل ما يحدث بسبب العيد من أعمال.
ومن الأمثلة على ذلك: التهنئة أو الهدايا أو إطعام الطعام، أو أي شيء، فالعيد يشمل هذه الأمور ويشمل هذه المعاني كلها، ويقول: " أعياد الكفار كثيرة " وهذه حقيقة، ونحن الآن في هذا البلد نرى الكفار كثيرين، ومن أديان شتى، فلنعلم أنه كما قال رحمه الله: أعياد الكفار كثيرة مختلفة، وليس على المسلم أن يبحث عنها ولا أن يعرفها، بل يكفيه أن يعرف في أي فعل من الأفعال، أو في أي يوم من الأيام أو في أي مكان، من الأمكنة هي ويجتنب ذلك.
فلدينا هنا مثلاً: أهل الكتاب -النصارى خاصة- يحتفلون بعيد الميلاد وعيد رأس السنة، وكذلك يحتفل البوذيون ويحتفل الهندوس وكل أمة لها عيد، كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {إن لكل قوم عيداً} هذه قاعدة جعلها الله -تبارك وتعالى- مجبولة ومفطورة عليها الأمم، فكل قوم لهم عيد.
فالأعياد كثيرة ومختلفة، وعلى المسلم أن يعرف أماكنها إن كانت مكانية، أو أزمنتها إن كانت زمانية، فيتجنب ذلك، ويتجنب ما نهى عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ من أمور سوف نفصلها بأدلتها إن شاء الله، وذكر رحمه الله مقدمات يقدم بها بين يدي الأدلة.