لهذا التغيير المنشود في العلمانية مقتضيات عدة منها: أولاً: أن الهجوم المباشر على الإسلام لم يؤدِّ النتيجة المطلوبة.
أن يقف الزعيم، أو الحزب، أو الصحفي، أو الكاتب، فيسب الله تعالى، ويسب رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، ويسب الحجاب، ويسب تحريم الربا، أو ينكر ذلك، وأشباهه؛ هذه مرحلة عفا عليها الزمن، ولم تؤد الدور المطلوب، وقد فشلت وأخفقت إخفاقاً ذريعاً واضحاً للأسياد في الشرق والغرب.
ثانياً: أنه قد ظهرت -والحمد لله- هذه الصحوة الطيبة المباركة في كل مكان، وهذه الدعوات التجديدية على تفاوت فيما بينها تطالب بالعودة إلى الكتاب والسنة.
وهنا وجد الأعداء أنفسهم أمام أمرين: مواجهة بين صحوة ناشئة تطالب بالإسلام عقيدة ومنهجاً للحياة، وبين شعارات وأفكار مهترئة متلاشية، لا قيمة لها في واقع الحياة، ذاقت الأمة مراراتها، وتحاول التخلص منها، ولم يبق لها من سبب للوجود، إلا السيطرة والسلطان والقوة التي يفرضها الغرب من جهة، وأتباعه من عملائه وأوليائه من جهة أخرى، فكان لا بد من التغيير، ومن وضع خطط جديدة.
وهذه الدلالة على التغيير كثيرة جداً، ونكتفي بسرد أمثلة محدودة من ذلك؛ لأن ما يهمنا هو أن ننبه بهذا الخطر الجديد الوافد، وهو: أنه في الولايات المتحدة الأمريكية -زعيمة الصليبية العالمية، وأعدى عدو للإسلام في هذا العصر، ولكنه عدوٌ ماكرٌ خبيث- دُرِسَ الموضوع، ومن التقارير التي ظهرت واشتهرت.
التقرير الذي نُشِر في أيام الرئيس جونسون، ونشره الأستاذ سعد جمعة والشيخ محمد محمود الصواف في معركة الإسلام، وغيرهما، مِمن اطلع على التقرير ونشره.
وكذلك تتابعت الدراسات فيها، وأنشئت أقسام في وزارة الخارجية، وفي وكالة الاستخبارات الأمريكية، كما أنشئت أقسام أكاديمية بحتة، وتوسع في الدراسات الاستشراقية، وعقد فيها عدة مؤتمرات للمستشرقين، وتبنت خطة جديدة، ومرحلة جديدة، كان قد نظر لها تقريباً المستشرق الإنجليزي جيف، هذا من جهة.
ومن جهة أخرى نجد الشيوعية -التي نرى في هذه الأيام، أنها أصبحت حديث العالم في كل مكان- أنها قد خططت لذلك، في وثيقة مشابهة، بل نقول: إنها أفادت من التجربة الأمريكية أيضاً -وثائقياً- كما أفادت من تجاربها الخاصة، إذ كانت تطمع أن تكون هي العقيدة المسيطرة على العالم الإسلامي في الثمانينات الهجرية، والستينات الميلادية، ولا بأس أن نقرأ عليكم نتفاً من هذه الوثيقة الشيوعية، التي لا نزال نرى آثارها في واقع الحياة، والتي -كما قلت- تعطينا صورة عن الفكر الصليبي في جملته، ثم نشرع في الحديث عن تطبيق هذه الخطة سواء من الشرق أو الغرب لوضع مرحلة جديدة للعلمانية.