[القاعدة الثالثة: الإنكار على العالم ليس كالإنكار على الجاهل]
ومن القواعد والضوابط في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: أن الإنكار على العالم أو على الفقيه أو على الكبير الفاهم ليس كالإنكار على المبتدأ وحديث العهد بالمعصية والجاهل.
أرأيتم لو أن أحداً من خيار الصحابة رضي الله تعالى عنهم جاء وبال في المسجد -وحاشاهم من ذلك- كيف يكون الإنكار عليه؟! سوف يكون شديداً؛ لأن هذا أمر لا يمكن أن يفعله إنسان من خيار الصحابة ممن عرف الإيمان وحقيقته، فسوف يكون الإنكار عليه بأشد ما يمكن، وبذلك وقائع من السيرة، كإنكار النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ على أبي ذر لما قال لـ بلال: يا ابن السوداء، فأنكر عليه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنكاراً شديداً وقال له:{يا أبا ذر: إنك امرؤ فيك جاهلية} فهذا إنكار شديد، فالجاهلية التي هرب وخرج منها أبو ذر رضي الله تعالى عنه وتحمل المشاق، وجاء إلى الكعبة، وجاهر بالإيمان، وضُرب حتى أصبح كما يقول هو:[[كأنه صنم ذبح عليه]] من كثرة ما فيه من الدماء، وكل ذلك لذات الله ومن أجل الله، ويقول له النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{إنك امرؤ فيك جاهلية} لأنك أمام إنسان يعرف الحق وعرف الجاهلية، وعرف قذارتها، وعرف نتنها، وعرف كيف يفر منها كما يفر من النار أو من الأسد، فتقول له هذا الكلام ليرتدع.
لكن لما جاء الأعرابي وبال في المسجد، فهذا أعرابي جاهل لا يفقه من أمر الله ودينه شيئاً، دخل وبال في المسجد، فأرشدنا النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وعلمنا أن الإنكار على الجاهل يختلف، فهذا نلاطفه، ونلاينة، ونداريه، ولا نعنفه.