للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[النوع الثالث: الدراسات العلمية المعتمدة على النظر في السنن الربانية]

فالنوع الثالث: من أنواع الدراسات المستقبلية الغربية: هي الدراسات التي أشرنا إليها من قبل في النوع الظني، وهي الدراسات المعتمدة على الاستنباط والاجتهاد والنظر في سنن الله الربانية، فهي دراسات علمية.

وهذا النوع ظهر أيضاً في أوروبا، وكثر المتكلمون فيه من الفلاسفة الذي يسمونه فلسفة التاريخ، بمعنى أنهم يتأملون كيف تجري أحداث التاريخ، وكلهم تأثر من قريب أو بعيد بـ ابن خلدون.

مثلاً: يقول " هيجل " المفكر الأوروبي المشهور: ' إن في العالم صراع النقائض فيما بين الشعوب، وفي النهاية ينتهي بقيام دولة بروسيا التي كان فيها ' فهي الدولة النهائية التي ينتهي عندها حلم البشرية لأنه كان يعيش في ظلها.

هذا الكلام أخذه " كارل ماركس " وجعله بصورة أخرى، فقال: ' إن المتناقضات هي همّ الطبقة العاملة والطبقة الرأسمالية، وإن الدولة التي ينتهي عندها التاريخ ويقف عندها وتكون نهاية العالم هي الدولة الشيوعية! ' والحمد لله ذهبت وقُضي عليها كلها -البروسية والروسية- لكن هذا نموذج لتفكير الأوروبيين في دراسة التاريخ، هؤلاء فلاسفة، وظهر بعد ذلك باحثون ليسوا بـ فلاسفة لكنهم باحثون لا يعتمدون منهجاً فلسفياً معيناً، لكنهم أكثر وأدق استنباطاً في سنن الله أو في التاريخ.

أشهرهم هو المؤرخ البريطاني المشهور: أرنولد توينبي الذي درس الحضارات جميعاً، وتأمل فيها واطلع على أحوالها، وذكر كيف يمكن أن تسقط الحضارات، وكيف يمكن أن تقوم، وتنبأ -فيما تنبأ- بسقوط الحضارة الغربية، وتنبأ -فيما تنبأ- بأن المسلمين سيكونون عدو المستقبل أيضاً، وإن كان في كلامه بعض الاعتراف بالحق، عندما ذكر أن الغرب سوف يسقط بسبب الخمر والفواحش والانحطاط الأخلاقي، وأن المسلمين سلموا من هذه بمعنى أن هذا أحد العوامل -بلا شك- التي بها يرث المسلمون الأرض.

وتوينبي في مختصر دراسة التاريخ ذكر هذا الشيء، ومن العجب أن -حتى يعلم القارئ الكريم كيف يعمل هؤلاء ويخططون- توينبي المعروف عند الناس أنه مؤرخ وعالم في الواقع كان مستشاراً لوزارة المستعمرات البريطانية! ومن خلال ما يستنتج من تخطط السياسة البريطانية على وفق ذلك، فلما انتهى عصر الاستعمار البريطاني نقلت الملفات والخبرة والوسائل القديمة وكل شيء إلى أمريكا، وقد أشار كوبلنت " إلى هذا في كتاب " لعبة الأمم " أنه في عام (١٩٥٨م) نقلوا كل شيء إلى أمريكا، ولذلك عندما حدثت أحداث الخليج الأخيرة ظهرت وثائق في الصحف -منها الحياة - كيف أن ما نفذ في عام (١٩٩٠م)! وما وقع من اعتداء عراقي ثم هجوم كان سيقع عام (١٩٦٠م) لكن المنفذ في ذلك اليوم كان بريطانيا، بمعنى أن العملية واحدة، وكل منهم يبني على ما عند الآخر، ويأخذ دراسته ويفيد منها، ثم يضيف إليها ما حصل.

أيضاً: عندما تخلى الإنجليز عن مصر والقناة وعن العرب واليهود، ورثت أمريكا نفس الدور البريطاني، والمحادثات التي تجري الآن في المفاوضات حول السلام تشرف عليها أمريكا، وقد كانت تشرف عليها من قبل بريطانيا، وكذلك مؤتمرات كانت في لندن، والإشراف عليها بريطاني، فالعملية واحدة؛ فهم يستفيدون من خبرة من سبقهم ويزيدون عليها، وبعضهم يحيل إلى بعض، والجميع يشعر أنه كيان واحد، وأن العدو الذي يهدده واحد، وهو هذا الدين، والله المستعان.