للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الاهتمام بأعمال القلوب]

إنَّ علينا جميعاً -نحن طلبة العلم- أن نراجع أول ما نراجع موقف قلوبنا مع ربنا تبارك وتعالى، وحال هذه القلوب من التزكية والطهارة والتصفية والنقاوة، وأن نتعرف على أعمال القلوب، ونعلم مقدار ما لدينا منها، وماذا ينقصنا، وكيف فهمنا لها، ومعرفتنا وعلمنا بها، أهي كما يرضي الله عز وجل وكما كان السلف الصالح, أم هنالك شيء من الخلل فيها فيتدارك، فإذا صلحت هذه القلوب؛ فإن الحال يكون كما في الحديث الصحيح {ألا وإِنَّ فِي الْجَسَدِ مُضْغَةً إِذَا صَلَحَتْ صَلَحَ الْجَسَدُ كُلُّهُ وَإِذَا فَسَدَتْ فَسَدَ الْجَسَدُ كُلُّهُ أَلا وَهِيَ الْقَلْبُ} رواه البخاري ومسلم وابن ماجة والدارمي وأحمد.

إنَّ هذا الدين إنما نزل في حقيقته لتزكية القلوب وإصلاحها، ولهذا يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أنا دَعْوَةُ أبي إِبْرَاهِيمَ} رواه أحمد.

ودعوة أبينا إبراهيم هي ما في قوله تعالى: {رَبَّنَا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِكَ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنتَ العَزِيزُ الحَكِيمُ} [البقرة:١٢٩] فإبراهيم عليه السلام دعا الله لما بنى هذا البيت العظيم "العتيق" أن يبعث في هذه الأمة هذا الرسول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وبهذه الأهداف والأغراض، وقد استجاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى دعوة إبراهيم عليه السلام كما في قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ} [الجمعة:٢].

فنلاحظ هنا أن هذه الأمور الثلاثة المدعو بها اختلف اختلفت ترتيبها، فتقدمت التزكية على التعليم، ولاشك أن الإنسان لا يمكن أن يتزكى إلا بأن يتعلم الكتاب والسنة، فيتعلم الهدى الذي جاء به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ لكن عندما تتقدم التزكية فهي من باب تقديم الغرض والغاية على الوسيلة التي تؤدي إلى هذه الغاية.

فالأصل هي: تزكية هذه القلوب التي هي موضع نظر الله من العبد كما في الحديث: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَنْظُرُ إِلَى صُوَرِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ وَلَكِنْ يَنْظُرُ إِلَى قُلُوبِكُمْ وَأَعْمَالِكُمْ} رواه مسلم، وهذه القلوب هي محل الابتلاء والتمحيص ومحل الأعمال التي لو استعرضناها؛ لعجبتم ولعلمتم أن لهذه القلوب شأناً عظيماً عند الله تبارك وتعالى، كيف لا والقلب هو الذي إذا كان حياً فإن الجسد يحيا معه، وإذا مات مات الجسد.