ثم أخبر الله تبارك وتعالى بعد ذلك بما يدل على الغنى المطلق الذي لا يحده حد، والعطاء الواسع، فقال:{يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم قاموا في صعيدٍ واحد فسألوني، فأعطيت كل واحدٍ منهم مسألته، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً، إلا كما ينقص المِخْيَط إذا أدخل البحر}.
فلو وقف الناس جميعاً الأولون والآخرون، والثقلان الجن والإنس، في صعيد واحد في أرض منبسطةٍ ممتدةٍ واحدةٍ، وكل منهم سأل الله ما يشاء ودعاه كما يريد، وأعطاه الله تبارك وتعالى ما طلب، لم يُنقص ذلك المعطى للمخلوقين جميعاً من ملك الله، إلا كما يُنقص المِخْيَط إذا أدخل البحر، وكم يأخذ المِخْيَط من الماء بالنسبة إلى ذلك البحر؟! هو كما قال عز وجل، كما في مسند الإمام أحمد:{عطائي كلام، وعذابي كلام} فعطاء الله تبارك وتعالى كلام، وعذابه كلام، أي: يقول للشيء: كن فيكون، فماذا ينقص من خزائن الله تبارك وتعالى، وهو الذي يقول للشيء: كن فيكون! فمهما طلب العبد، ومهما رجا، ومهما ألح أو أكثر، فإن أعطي له فإن ذلك لا ينقص من ملك الله الواسع العظيم أي شيءٍ على الإطلاق.
كما أنه لا يكون علم المخلوقين بالنسبة إلى علم الله -تبارك وتعالى- إلا كهذه النسبة، كما ضرب الخضر عليه السلام، لموسى عليه السلام ذلك حين قال:{ما مثل علمي وعلمك في علم الله -تبارك وتعالى- إلا كمثل ما أخذ ذلك الطائر من البحر}، وكم أخذ من البحر؟! فهذا هو العليم؛ علمه كذلك، وملكه كذلك، وغناه كذلك سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.