للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الانشغال بعيوب الآخرين]

السؤال يقول: أجد نفسي شغوفاً بتقصي عيوب الآخرين متناسياً عيوب نفسي، فهل من علاجٍ لذلك؟

الجواب

نسأل الله أن يشفيك يا أخي، وأن يشفينا جميعاً، اللهم يا رب! نسألك أن تؤتي نفوسنا تقواها، وأن تزكيها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها.

إن هذا من شر الأدواء الذي يصيب طلاب العلم -نسأل الله العفو والعافية- فشر الناس من شُغِلَ بعيوب غيره عن عيوب نفسه، وكما قال بعض السلف الصالح: 'علامة إعراض الله عز وجل عن العبد أن يشغله بما لا يعنيه' وقال الآخر: 'كانوا ينهون عن فضول النظر كما ينهون عن فضول الكلام'، فكان السلف الصالح -رضوان الله تبارك وتعالى عليهم- يُربون تلاميذهم وأمتهم على ذلك؛ فكان عمر رضي الله عنه يُربي الأمة كلها من فوق المنبر فيقول: [[رحم الله امرأً أهدى إليَّ عيوبي]] فعرف أولئك الأخيار الأطهار أن الذي يضرك هو عيبك أنت، وأن الذي يسيء إليك هو ذنبك أنت لا ذنوب الناس وعيوبهم.

إنَّ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لولا أنه يضرنا تركه لما قمنا به، وهذا هو المحمل الصحيح لقول الله تبارك وتعالى: {لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} [المائدة:١٠٥] أي: إذا قمتم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فلا يضركم، ولكن الله تبارك وتعالى أمرنا أن نأمر بالمعروف وأن ننهى عن المنكر وندعو إلى الله، وأن نقول للكافر: أنت كافر، وللمبتدع: أنت مبتدع، وللظالم: أنت ظالم؛ لأن الله أمرنا بذلك ففعلنا، وإلا لو لم يأمرنا به لكفانا ظلم أنفسنا وعيب أنفسنا وما فينا من شرك -عياذاً بالله- أو بدعة أو تقصير عن غيرنا.

أمَّا أن يصل الأمر إلى أن هذه الشهوة النفسية الموجودة لدى كثير من الشباب تُشبع وتثار، فيصبح بعضهم يتتبع عورات المسلمين، ويتتبع عورات وسقطات العلماء أو الدعاة، ويُربىَّ على ذلك؛ فهذا من أسوأ أنواع التربية، وهذا مرض خطير نسأل الله العفو والعافية، وأُبشِّر من قد يربي الشباب على هذا بأن الدور سيأتي عليه:

فلا تغضبن من سيرة أنت سرتها وأول راضٍ سيرة من يسيرها

وتأكدوا أن أي إنسان يطعن وينال ممن يقوم بالدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وإن أخطئوا -وكلنا عرضة للخطأ- لكن من يكون هذا همه؛ فإن الله سيسلط عليه من يفضحه؛ لأن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: {من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته، ومن يتتبع الله عورته يفضحه ولو كان في جوف رحله} نسأل الله العفو والعافية.

حرصٌ على تتبع الأخطاء ففلان قال فيه كذا، وهذا وقع في كذا، وهذا عيبه كذا سبحان الله العظيم يا إخواني! حتى أئمتنا الأجلاء الكبار الأئمة الأربعة الذين أجمعت الأمة على إمامتهم لديهم أخطاء؛ فهل يحسن أن نعرضها على الناس، وأن نقوم في المسجد ونقول: الإمام مالك أخطأ في كذا وكذا، والشافعي قال كذا.

فالأشياء واضحة جداً ولا نريد أن نخوض في شيء وننهى عن الذي نقول، وكمثال على ذلك -وهذا الذي يقع دائماً بعد شهر رمضان- الإمام مالك رحمه الله -إمام دار الهجرة وهو المحدث المشهور الذي ورث هذا العلم العظيم، وأورثه للدنيا كلها- كان يكره صيام الست من شوال، فهل نعدها من السقطات عياذاً بالله؟ أو نقول شيئاً غير ذلك؟ فهؤلاء الأئمة، فكيف بالعلماء من دونهم وكيف بطلاب العلم؟ فالذين يتتبعون هذه المثالب والعورات، ويحبون تتبع عيوب الآخرين؛ يجب أن يعلموا أنهم واقعون في هذا الخطر العظيم، وسيلقون الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فنخشى أن يلقوا الله مثل "الرجل المفلس" الذي أخبر عنه النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {أتدرون من المفلس؟! قالوا: المفلس فينا من لا درهم له ولا متاع.

قال: إن المفلس من أمتي من يأتي يوم القيامة بحسنات مثل جبال تهامة، ولكن يأتي وقد ضرب هذا، وظلم هذا، وشتم هذا، وقذف هذا، وأخذ مال هذا، فيعطى هذا من حسناته، وهذا من حسناته -مقابل ما فعل وما انتهك- فإن نفدت حسناته يؤخذ من سيئاتهم فتطرح عليه فيلقى في النار} نسأل الله العفو والعافية.

فاحذروا يا شباب -بارك الله فيكم- واحذر يا أخي؛ حتى مع أهلك في البيت إذا بدأت زوجتك أو أمك تقول: فلانة، فقل لها: لا يا أمي! هذه غيبة، فعلِّم نفسك وعلِّم إخوانك، ولا تذكر مسلماً بشيء أبداً، وإن كان من زملائك أو كائناً من يكون، إلا ما اقتضت بذلك مصلحة شرعية لا مصلحة نفسية أو ذاتية، فبعض الناس يخلط بينهما فيقول: أنا لا أقصد إلا الشرع، اختبر نفسك فإذا كان غرضك الشرع؛ فعلامة ذلك أن تنتقد هذه الكلمة أو هذا الموقف من أي شخص كان، أما أن تنتقدها إن كانت من فلان، فإن جاءت من غيره فإنك تغض الطرف عنه، فاعلم أن الأمر لنفسك وليس لربك، فكل واحد منا يختبر نفسه، والله تعالى حسيبه.