[ظهور الأصولية الإنجيلية]
وكانت إحدى نتائج البروتستانتية المعاصرة أن ظهرت في أمريكا صحوة دينية هائلة -نعم هي صحوة ويسمونها صحوة، ويصفونها بـ الأصولية، وهي كذلك أصولية إنجيلية - ويجب الانتباه للحديث عن هذه الصحوة لندرك مدى الغفلة التي تَلُفُّنَا نحن المسلمين؛ ولا سيما من قبل وسائل إعلامنا التي لا تقدم لنا هذا الوجه الآخر الذي يزداد كل يوم في أمريكا بلاد الإباحية والعلمانية والإلحاد.
وهذه الصحوة أو الأصولية التي تتبنى الوعد المفترى، وتؤثر في توجيه السياسة الأمريكية والرأي العام الأمريكي، وتؤيد الدولة اليهودية تأييداً مطلقاً لابد من تفصيل الحديث عنها ومعرفة رجالها وأعمالها.
يؤكد الكتاب التعريفي -الذي توزعه المراكز الثقافية الأمريكية ومنها مركز جدة - بعنوان: " أمريكا اليوم " إن الأمريكان ليسوا شعباً غير متدين كما نظن وهذا صحيح، ولكن الدين عندهم فضفاض ومرن، يكفي أن تؤمن بما تقوله الكنيسة وما توجه به من تعاليم، وتكون عضواً فيها بشكل ما، ولا يعني تدينهم السلوك الجاد، وهناك إحصاءات أجريت تقول: إن أكثر الشعوب النصرانية تديناً من حيث النسبة العددية هي إيرلندا في المقام الأول، ثم أمريكا.
ويذكر معهد جالوب المتخصص في الإحصاءات أن أكثر من (٩٤%) من سكان الولايات المتحدة الأمريكية يؤمنون بالله -بالطبع على عقيدتهم- وأن (٧١%) من سكانها يؤمنون بالبعث بعد الموت على العقيدة الإنجيلية.
وتقول أيضاً بعض الإحصاءات: أن عدد أعضاء الجسم الكنسي في الولايات المتحدة سنة (١٩٧٠م) كان (١٣١) مليوناً من الأمريكان وجميعهم ينتمون إلى الكنائس، وارتفع عام (١٩٨٠م) إلى حوالي (١٣٥) مليوناً؛ ولكنه قفز خلال السنتين التاليتين إلى (١٣٩) مليوناً وستمائة ألف.
أما بكم يتبرع هؤلاء الأمريكان للكنائس؟ يقول الإحصاء: في عام (١٩٨٢م) - وهو يعتبر قديماً -: أنهم يتبرعون بحوالي ستين ألف مليون دولار، في حين أن النشرات الحكومية مثل: أمريكا اليوم تقدره بنصف هذا الرقم وهو كثير، وقد نشرت المجلة الدولية لأبحاث التنصير سنة (١٩٨٩م) أن مجموع التبرعات الكنسية لأغراض التنصير هو: (١٥١) ألف مليون دولار -أي: في أمريكا وغيرها- وقد ارتفع الرقم سنة (١٩٩٠م) إلى كثر من (١٨٠) مليار، وقد رصدوا لتنصير الصومال وحدها (١٩٦) ملياراً.
ثم نأتي للمدارس الدينية والجامعات والشبكات التلفازية في أمريكا.
إن الصحوة النصرانية في أمريكا ليست كالصحوة الإسلامية هنا حيث لا يوجد للصحوة الإسلامية مجلة أو صحيفة أو إذاعة فضلاً عن أية قناة تلفازية عبر الأقمار الصناعية!! أما الكنائس فتمتلك وتدير عدة مئات من المدارس والجامعات والمعاهد في الولايات المتحدة الأمريكية، ففي عامي (٨١ - ١٩٨٢م) بلغ عدد معاهد التعليم العالي (١٩٤٨) معهداً، فكم تكون الآن؟! أما المدارس فقد كان عددها عام (١٩٥٤م) لا يزيد عن (١٢٣) مدرسة، ثم قفز عددها عام (١٩٨٠م) إلى ما يزيد على (١٨) ألف مدرسة.
وليس جديداً أن يقال: إن الجامعات الشهيرة في أمريكا إنما أسست على أساس ديني بروتستانتي ومنها: هارفارد وييل وجورج تاون وديتون وبيلور ودنفر وبوسطن الخ.
وإجمالا تستطيع أن تقول: إن للأصولية النصرانية في أمريكا أكثر من (٢٠) ألف مدرسة ومعهد وكلية، والملايين من الطلاب والدارسين للتوراة؛ وكلهم يؤمنون بهذه العقائد التوراتية التي تحدثنا عنها.
ومن الأدلة التي يستدل بها الباحثون على تدين أمريكا وعودتها إلى المحافظة أنها اختارت آخر رئيسين قبل بوش من المتدينين المحافظين وهما كارتر وريجن؛ فـ كارتر كان ملتزماً التزاماً صارماً بالكنيسة الإنجيلية، ولا يزال كارتر إلى هذا اليوم مبشراً، ويتنقل من أفغانستان إلى الحبشة والسودان وغير تلك البلدان مدافعَا عن التنصير ومبشراً بـ النصرانية، وهذا معروف عند كل من تتبع أخباره؛ فهو رجل منصر وقسيس، والرئيس الذي جاء بعده ريجن، قلنا: إن أحد الإعلانات الانتخابية ذكرت أنه أكد أكثر من إحدى عشرة مرة أنه يؤمن بنبوءات التوراة، ومنها معركة هرمجدون.
ودليل آخر عن انتشار الصحوة الدينية في أمريكا يقول: إن إحصاءات صناعة الكتب الأمريكية سجلت أكبر ظاهرة في شراء الكتب الدينية؛ ففي عام (١٩٨٤م) كان بيع أكثر من ثلث السوق كتباً دينية، وتقدر أثمان هذه الكتب بحوالي مليار دولار دفع ثمنها حوالي (٣٧) مليون مشترٍ.