إننا لو اتفقنا نحن في العمل - في المركز أو في الإدارة أو في الرئاسة- كلنا على منكر ما واتحدنا وأردنا الخير وكانت المسألة واضحة ولا تحتاج إلى نقاش ولا إلى خلاف؛ لوجدنا العداوة من غيرنا، وصاحب الشهوة أو صاحب المنكر يأتيك ويجلب عليك كل عداوة، وتأتيك العداوة من الشرطة، وأحياناً تأتيك من الإمارة مثلاً.
فأقول: من نذر نفسه في هذا العمل فليتوقع العداوة من كل أحد؛ توقع أن يأتيك أمر بالنقل أو بالفصل أو بالطرد أو بأي شكل من الأشكال، وما ذنبك إلا أنك قلت لأحدهم: اتق الله، أو غضبت عليه وهو على منكر أو جرم يجب على كل مسلم أن ينكره عليه، وليس عليك أنت -فقط- الذي وظفت أصلاً لهذا العمل، وستحاسب لو قصرت فيه.
إذاً: فهي مشكلة: إن قمتم بواجبكم حوسبتم، وقيل: أنتم عملتم وأسأتم، أو يقال: شككتم الناس في أهاليهم -هذا إذا قبض على أحدٍ وكان مستوراً فانفضح بأن كان عنده مصنع خمر مثلاً- أما إذا لم تعملوا شيئاً قالوا: لا يخافون الله، يأخذون الراتب دون عمل، يتكلمون ويشربون القهوة، ثم بعد هذا يأخذون الراتب آخر الشهر.
إذاً: ماذا نعمل؟ إن عملنا نلام بلاحق، وإن سكتنا نلام على ذلك! فأقول يا إخوان: هذا لا بد منه، وما دام لا بد منه فلا حيلة لكم إلا الصبر، فقد أرشدنا الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إلى ذلك، وأن أي أمر لا حيلة لنا فيه فالحيلة معه الصبر، فإن الصبر حيلة من لا حيلة له؛ ولهذا إذا قدر الله تعالى على أي إنسان مصيبة -نسأل الله أن يحفظنا وإياكم - فوقعت وانتهى الأمر؛ فلا حيلة له إلا الصبر، ومتى يكون الصبر؟ عند الصدمة الأولى، وأما بعد ذلك فكل الناس تسلو كما تسلو البهائم؛ لكن المؤمن يصبر ويحتسب عند الصدمة الأولى؟ لأن الأمر قد انتهى، فمات من مات وحصل ما حصل وانتهى فماذا بقي من حيلة؟ بقي الصبر والاحتساب عند الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، فكل هذه العقبات يجدها الداعية ويجدها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر في طريقه أينما اتجه.