[الشخصية المتكاملة وحاجة الأمة إليها]
الأمة الإسلامية في هذه الحقبة أحوج ما تكون إلى تلك النماذج، التي تتكامل فيها جوانب الشخصية المسلمة، فتستطيع أن تعبد ربها سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وتقوم بالواجب على النفس، ثم تقوم بالواجب العام من الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، ثم تعرف كيف توازن بين هذه الواجبات، وكيف توفق بين العلم وبين الدعوة، وكيف تجمع بين الصبر وبين اليقين، وكيف توائم بين العصر الذي يصعب استيعابه بأحداثه وبأفكاره وبآرائه وبين تاريخها وماضيها وتراثها وبين العلم الشرعي الذي هو أشرف العلوم وقد ورَّثه لنا سلفنا الصالح من علوم العقيدة والتوحيد والفقه والحديث والتاريخ، وغيره من العلوم العصرية.
فلا بد أن يوجد في هذا الشباب الطيب المبارك من يجتهد في استكمال هذه الجوانب ما أمكن، وذلك لكي يقدم للأجيال المعاصرة نماذج حية وقدوات مباشرة ملموسة محسوسة في تكامل الإسلام؛ لأن الشباب المسلم إذا تكاملت شخصيته، فإنه يستطيع أن يظهر ويبرز في الوجود، ويثبت الوجود الإسلامي -كما كان السلف الكرام رضوان الله تعالى عليهم- في هذا العصر على تفرق المسلمين وعلى ذلتهم وقلتهم، وعلى ما يعانون فيه من العبودية للشرق أو الغرب.
أيها الإخوة الكرام: إن هذا الدين دين شامل متكامل، كما قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً} [البقرة:٢٠٨] وعلينا أن ندخل في هذا الدين كله، وأن نطلب العلم من أصوله ومن أبوابه المشروعة في الحلقات العلمية، وأخذه من العلماء العاملين المتفقهين في الدين، وفي الوقت نفسه لا نألو جهداً ولا نقصر في الدعوة إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، بل نجعل العلم سلاحاً للدعوة، وتكون الدعوة وسيلة لنشر العلم، كما يجب علينا أن نعي واقعنا وزماننا، كما قال بعض السلف الصالح: {{رحم الله امرأً عرف زمانه واستقامت طريقته}}.
ومن معرفة الزمان أن تعرف هذا العالم جملة، وما يموج فيه من أفكار، وما يضطرب فيه من الفتن والضلالات, وتعلم بأن الحل في يدك، وأنك تستطيع أن تقدم لهذه الإنسانية التائهة الحائرة الحل الذي لا يملكه غيرك أبداً، وهو الإيمان بالله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
كما يجب علينا -أيها الإخوة الكرام- أن نوفق وأن نوازن بين الواجب على النفس وبين الواجب للناس جميعاً، فإنه يجب علينا أن نعبد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وأن نحافظ على الواجبات، ونتقرب بما استطعنا -أيضاً- من النوافل بحسب الإمكان، وأن نعبد الله ونذكره ونشكره؛ حتى تكون حياتنا زكية، وتكون أعمالنا زكية خالصة.
ثم ندعو الناس -أيضاً- ونصبر على أذاهم ونأمرهم بالمعروف وننهاهم عن المنكر، ولا نغلب جانباً على جانب.
أما إذا اعتزل الشاب الناس بالكلية, أو اعتزل جانباً من جوانب الحق والخير بالكلية أو شبه الكلية، فإنك ستجد الشخصية غير المتزنة، وستجد أن هذا الإنسان إن وعى عصره وواقعه وجهل العلم والفقه الشرعي بأدلته، فإنه قد يتخبط في الفتوى ويقول على الله تبارك وتعالى بغير علم، وإن وعى جانب العلم الشرعي وتفقه فيه ولم يعش عصره وواقعه، فإنه لجهله بعصره هذا قد يضع تلك الأدلة في غير موضعها، فيستدل على أمور من غير انطباق أدلتها عليها -أي ما يسمى تحقيق المناط في أصول الفقه- فالعلم الذي لديه لم ينتفع به؛ لأنه لم يضعه في مناطه الصحيح.
وأنتم -والحمد لله- قد هيأ الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لكم في هذه الجامعة وفي هذا البلد الطيب من وسائل تحقيق التوازن والتكامل الشيء الكثير، فاشكروا نعمة الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عليكم، واحمدوه على ذلك، واجتهدوا في إيجاد الشخصية المسلمة المتكاملة.
وأسأل الله تبارك وتعالى لي ولكم القبول، وأن ينفعنا بما نسمع وبما نقول، إنه سميع مجيب.