من منا لا يألم عندما يرى هذا الواقع المحزن المؤلم لهذه الأمة من أقصاها إلى أدناها؟ ويتذكر أن الدين النصيحة، ويتذكر أنه {لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه}، ثم يقول: لا أملك شيئاً، لا، بل أنت تملك ما لا يستطيع أي عدو للإسلام أن يملكه، وما ليس في إمكان أية قوة في الدنيا أن تملكه، وهو الدعاء، يقول صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{رب أشعث أغبر ذي طمرين، لو أقسم على الله لأبره}، الله أكبر، يقسم على رب العالمين، ويبره رب العالمين! لله سبحانه أولياء، وله عباد صالحون لهم عنده من الشأن والمنزلة ما الله به عليم، فلِمَ لا ترفع يديك؟ ارفع يديك وتضرع إلى ربك تبارك وتعالى بسجدة في جوف الليل لا يراك أحد، قبل السلام في كل الصلوات، وأنت ذاهب إلى بيت من بيوت الله, وأنت تضع اللقمة أو الريال في يد فقير أو محتاج، وأنت ترأف بمسكين أو تشفق عليه.
ادع الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، كم من هؤلاء الذين إن شفع فهو جديرٌ بألاَّ يُشَّفع، وإن خطب فهو جدير بألا ينكح ولا يُزوَّج، وإن طلب فهو جدير بأن يرد ولا يعطى، ولكنْ بينه وبين الله باب مفتوح، لو رفع إليه يديه بصدق وضراعة لحصل الخير، كما يريد الله تبارك وتعالى.
إذاً: ارفع يديك وادع الله، واعلم أنك لو دعيت لنفسك فربما يستجاب لك، وربما لا يستجاب لك، وإن كنت على أية حال لست بخاسر أبداً، لأنه كما جاء في الحديث:{إن ربكم حي كريم يستحيي من عبده أن يرفع إليه يديه فيردهما صفراً}.
أي: يردهما خاليتين، فلا يمكن ذلك ولو ذهبت إلى أي كريم من الناس وطلبته وأنت تعرف كرمه، واجتمعت فيه الصفتان الكرم والغنى، هل يردك؟ يستحيل على كريم غني أن يرد أي واحد يأتيه، ولو بشيء بسيط، فكيف بمن له الغنى المطلق والكرم المطلق، سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، الذي طلب منا أن ندعوه، والذي يصدق فيه ما قال الشاعر:
الله يغضب إن تركت سؤاله وبُني آدم حين يُسأل يغضبُ
وقد قال الكريم الغني المفضال تبارك وتعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ}[غافر:٦٠]، يريد أن ندعوه، ادعه، ولن تكون خاسراً، بل أنت كاسب في أي حال من الأحوال، لكن ربما يحول بينك وبين الإجابة شهوات أو شبهات، أو ارتكاب لذنوب، أو محرمات، أو أكل مال حرام، أو أي حائل من الحوائل، لكن إذا دعوت لأخيك يستجاب لك بإذن الله تبارك وتعالى، لأنها دعوة عن إخلاص، لأن ذنبك أنت وتقصيرك لا ينسحب عليه فتدعو الله تبارك وتعالى له، فيقال: آمين ولك مثل ذلك! إذن لماذا نترك هذا الدعاء؟!