[وجه احتجاج الزنادقة على تفضيل أحكام القانون الوضعي]
يقول: 'بل بلغ الأمر مبلغ الاحتجاج على تفضيل أحكام القانون الموضوع على أحكام الله المنزلة، وادعاء المحتجين لذلك بأن أحكام الشريعة، إنما أنزلت لزمان غير زماننا'.
وقد كتب مصطفى أمين: إن أحكام الشريعة، أو ما يدعو إليه المتطرفون، إنما نزلت في أيام الجمل، والحمار وكذا، أما في عصر الصاروخ والطائرة فلا بد من أخذ القوانين الوضعية، ومن شاء أن يذهب إلى القوانين القديمة فعلى الأقل عليه أن يقيمها في نفسه، ويأخذها ولا يدعو الأمة إليها، ولو كان راكباً حماراً، فهو يقول: إذا أخذت الطيارة والصاروخ والكيمياء والعلوم فإنك تأخذ معها القانون الوضعي، وإما إن كنت تريد أحكام الله فتأخذ معها ركوب الجمل أو ركوب الحمار، فهذا ربطوه هكذا.
فيقول: 'إنما نزلت لزمان غير زماننا، ولعلل وأسباب نقضت'.
فهم يقولون: الأسباب والعلل التي نزلت من أجلها الشريعة -كما يقول هؤلاء المبطلون المرتدون- انتهت، وهذا مثلما يقولون في التاريخ أحياناً: بعث الله محمداً -وأحياناً لا يقولوا: الرسول، بل يقولون: أرسل الله محمداً، وهكذا صلى الله عليه وسلم، ولا يذكرون الصلاة عليه- لأن العرب كانوا يعبدون الأوثان، ويقدسون الأصنام، ويئدون البنات، فبعث الله النبي صلى الله عليه وسلم، للقضاء عليها، والذي لا يعرف قصدهم يقول: هذا كلام حسن، ولكنهم يقصدون بهذا الكلام أنه الآن لا أحد يعبد الحجارة، ولا أحد يئد البنت.
إذاً: هذه القضية انتهت.
والآن عندهم مشاكل أخرى، فعندهم مشكلة في الإسكان، ومشكلة التضخم، والنسل -زيادة أعداد الناس- ومشاكل التنمية، أما مسألة عبادة الحجارة، ووأد البنات، فهذه كانت قديماً وانتهت، فهذا هو الكفر الذي يزينونه للناس، لأنهم مهرة وفنانون في ذلك.
فالفنانون الذين يشيعون الفاحشة -الأفلام وغيرها- وهم جزء من الفنانين في فن النفاق الأكبر الذي يريدون به أن الأمة تُمسخ وتنسى ذاكرتها ودينها وعقيدتها وأخلاقها، فتصبح ممسوخة، بحيث يصبح الشخص أفرنجياً لكن ليس أفرنجياً من الفرنجة الغربيين، بل أفرنجي ممسوخ تماماً، فلا تعرف ولا ترى منه أي ملمح، فلا هو أفرنجي حقيقي، ولا هو ذلك المسلم الذي يعرفه الناس.
قالوا: 'فسقطت الأحكام كلها بانقضائها -لانقضاء العلل والأسباب- فأين هذا مما بيناه، في حديث أبي مجلز والنفر من الإباضية، من بني عمرو بن سدوس؟ ولو كان الأمر على ما ظنوا في خبر أبي مجلز، أنهم أرادوا مخالفة السلطان في حكم من أحكام الشريعة، فإنه لم يحدث في تاريخ الإسلام، أن سن حاكم حكماً وجعله شريعة مُلزمة للقضاء بها هذه واحدة'.
وهذا مهم جداً وقوي؛ لأنه على مدار التاريخ الإسلامي لم يوجد أحد تجاوز هذا وسن حكماً وجعله شريعة ملزمة، فأما الياسق فهو موروث، لكن حاكم مسلم يشرع شرعاً ويفرضه، فهو يقول: إن هذا لم يحصل.