[الأحداث التي استغلها جورباتشوف لتحقيق أهدافه]
من القضايا البسيطة أنه عندما أريد لـ جورباتشوف وافتعل له أن يصبح مستبداً، رأى أن أقوى سلطة يمكن أن تقف أمامه الجيش، فالحزب فهو منظّر فكري ويستطيع أن يسيطر إلى حدٍ ما، لكن الجيش هو المشكلة.
فكان لا بد أن يغير القيادات: قيادة الاستخبارات، وقيادة القوات الجوية والبحرية، فكانت القشة التي قصمت ظهر البعير -كما يقال- وهي تلك القصة الغريبة جداً التي ذهلنا جميعاً لها، ثم مرت كأي حدث من الأحداث العابرة دون أن تحلل التحليل السليم خاصة من المسلمين على الأقل، وهي قصة الطائرة الشراعية الصغيرة التي اختطفها أو دخل بها شاب وعشيقتة -جعلت معه عشيقة لتبدو القضية قضية مغامرة حب- واستطاع أن يطير من ألمانيا ويخترق الحدود السوفيتية، بطريقة الله أعلم بكيفيتها -ولابد من وجود تواطؤ طبعاً- وينزل في الساحة الحمراء، ويطل المسئولون في أقوى دولة كما تزعم، والتي تريد أن تنافس أمريكا في حرب النجوم، يطلون ويجدون أن طائرة غريبة، قد نزلت ووقعت في الساحة الحمراء، أين الدفاعات الجوية؟ أين الرادارات؟ أسئلة كثيرة.
بناءً على ذلك قرر جورباتشوف أن هذا المجتمع يحتاج إلى تجديد، فأقال وزير الدفاع، وقائد القوات الجوية، وقائد كذا، وقائد كذا، دفعة واحدة، وينحى هؤلاء الذين أدوا إلى هذه الفضيحة كما قيل، وتخلص منهم وجاء بالعناصر التي يريد.
بعد ذلك جاءت عدة حوادث كانت ذريعة إلى الاستمرار، وهي - كمثال - الزلازل التي حصلت في أرمينيا، فقد استطاع جورباتشوف بدهائه أن يوظفها توظيفاً رهيباً، والزلزال طبعاً حصل قضاءً من الله وهذا معلوم.
أرسل الاتحاد السوفيتي بمعداته الثقيلة للإنقاذ، وإذا بها هزيلة لا تستطيع أن تفعل شيئاً، فاضطر جورباتشوف للاستنجاد بالغرب، فمد الغرب يده بسرعة، فهي قضية إنسانية، كعادة الغرب عندما تهبُّ نخوته الإنسانية في أي قضية غربية، وتختفي تماماً في أي قضية أو نكبة إسلامية، وإذا به يهبُّ لنجدة أرمينيا، وإذا بالناس يرون العجب العجاب.
وقبل ذلك حدث -أيضاً- الإشعاع الذري الذي تسرب من معمل تشر نوبل، في الاتحاد السوفيتي، فوقف الاتحاد السوفيتي عاجزاً عن السيطرة أمام آثار الإشعاع، ويأتي الغرب بالتكنولوجيا، ويستطيع أن يحاصر التسرب.
المقصود أن عدة أحداث حدثت وجورباتشوف يوظفها لمصلحة فكرة: أن هذا التخلف الفظيع الذي تعيشه الاتحاد السوفيتي كان بسبب التطبيق السيئ للاشتراكية، كان بسبب عبادة الفرد، كان بسبب التجاوزات التي ارتكبوها واستطاع الأعداء أن يتفوقوا عليهم إلى آخر ذلك، عندها أصدر جورباتشوف كتابه إعادة البناء وكان قد مضى على ما سماه بـ إعادة البناء أو البروستريكا سنتان ونصف.
عندما طبع الكتاب، وكان هذا الكتاب شرحاً لوجهة نظر جورباتشوف نفسه في إعادة البناء، نوجزه في نقاط بسيطة: جورباتشوف يرى أن إعادة البناء ضرورية جداً، وأنه لا تنازل على الإطلاق عن الاشتراكية، وأنه لا يقبل أية مساومة على المبدأ، وأن مستقبل الإنسانية جمعاء مرهون بالتطبيق الحقيقي للمبادئ التي نادى بها ماركس ولينين، فهي قضية لا تقبل النقاش عنده -ولاحظوا هذا شيء مهم نضعه في الاعتبار- ثم يطرح وضعاً سياسياً جديداً، يقول: مع هذا كله نحن جزء من العالم، يجب أن نتعايش، تحدث عن العالم الثالث، تحدث عن الولايات المتحدة الأمريكية تحدث عن أوروبا بعد حديثه الطويل عن الاتحاد السوفيتي طبعاً.
تعرض لقضايا كانت أهم قضية فيه -وهي التي نريد أن نصل منها إلى ما يجب علينا نحن المسلمين في هذه المرحلة الخطيرة- وهي مسألة العلاقة مع أوروبا، والعلاقة مع أمريكا، وكيف تكون هذه العلاقة؟ وهذه مسألة مهمة جداً سنضطر أن نتجاوز عنها قليلاً لنتحدث عن أوروبا الغربية ماذا كانت تعمل قبل إعادة البناء وأثنائها! وكيف كان العالم الغربي يفكر؟!