[تحذير الأنبياء من الشرك]
إبراهيم عليه السلام لما دعا الله {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] , قال ابن تيمية رحمه الله: 'ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم'.
الله أكبر! إمام الموحدين الذي حطَّم الأصنام يدعو بهذا الدعاء, والذي جاهد لكي لا يعبد إلا الله, والذي ذبح ابنه امتثالاً لأمر الله, وإن لم يقع الذبح لكن قد فعله وصدق الرؤيا, وامتثل أمر الله, من أجل توحيده لله، وامتثاله لأمر الله, المر الذي هو فامتثله رؤيا رآها فتله للجبين.
وهذا إبراهيم عليه السلام الذي هاجر في الله، وفي ذات الله، ودعا إلى الله, وجعله الله إماماً للناس, وأوحى إلى داعية التوحيد العظيم محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:١٢٣] هذا نفسه يدعو الله: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:٣٥] يدعو الله أن يجنبه الشرك, سبحان الله! إذاً الشرك خطير, يقول ابن تيمية رحمه الله: 'ومن يأمن البلاء بعد إبراهيم' من يأمن؟ لا تقل: إن الكلام قد كثر كل يوم عن الشرك, والناس موحدون والحمد لله وهم مسلمون, سبحان الله! هل أنت أكثر توحيداً من إبراهيم الخليل؟! لا، والله, لما أمره الله تعالى أن يبني هذا البيت العظيم, الذي هو قبلة الموحدين في جميع أنحاء العالم إلى يوم الدين, ماذا قال تبارك وتعالى: {وَإِذْ بَوَّأْنَا لِإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً} [الحج:٢٦] يا إبراهيم! ابن البيت، ولا تشرك بي شيئاً, فهذا أول أمر يؤمر به إمام الموحدين: ألَّا يشرك بالله, فلم يقل: يا رب! أنا إمام الموحدين, أنا الذي وحدتك تنهاني عن الشرك؟ وإذا نهيت أحداً أو تكلمت أو حذَّرت من الشرك, قيل: ليس عند هؤلاء الناس إلا الشرك؟ ولا يتكلمون بغير الشرك؟ سبحان الله! وماذا قال سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وهو إمام الدعاة إلى الله، الذي يجب على كل داعية أن يقتدي به إذا كان من أتباعه: {وَمَنِ اتَّبَعَنِي} [يوسف:١٠٨] {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ * بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٥ - ٦٦].
فمحمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يقول له ربه: قد أوحي إليك يا رسول الله, وإلى الذين من قبلك من الرسل -ومنهم إبراهيم إمام الموحدين- لئن وقع منك ذلك الشرك ليحبطن عملك.
سبحان الله! العمل كله؟ نعم, الجهاد, والدعوة, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والهجرة, والصلاة, والزكاة, كل ذلك يحبط منك يا رسول الله ومن قبلك لو أشركتم بالله: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] فهو خاسر, مع أنه يأتي بتجارة كبيرة جداً ولكنه خاسر في الحقيقة.
فبعض الناس كالنصارى -مثلاً- ترك الزواج، وترك الدنيا، ولكنه يذكر الله ليل نهار، انقطع عن كل شيء إلا عن العبادة -كما يزعمون- لكن يوم القيامة: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} [الفرقان:٢٣] {قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالاً * الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً} [الكهف:١٠٣ - ١٠٤].
يقول: يا أخي! أنا أحمد الله، وأنا دائماً أذكر الله, وأصلي, وكل يوم أقرأ القرآن, ودائماً في جهاد, ودائماً آمر بالمعروف وأنهى عن المنكر, فيقول: ما الذي تريده منا؟ نقول: هذه الثروة العظيمة من الحسنات لا تقبل ولا تتحقق إلا بتوحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, اجتنب الشرك, ولا تأنف ولا تستكبر عمن يقول لك: لا تشرك بالله, لأنه قال: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:٦٥] فتذهب كل هذه الأعمال: {وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥] الذين يرون هذه الأعمال العظيمة تذهب هباءً منثوراً, ولا يستفيدون منها بشيء: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ} وهنا {إِيَّاكَ نَعْبُدُ} [الفاتحة:٥].
هنا قدّم الضمير، وهناك قدم الاسم العلم: {بَلِ اللَّهَ فَاعْبُدْ وَكُنْ مِنَ الشَّاكِرِينَ} [الزمر:٦٦] هكذا أمرنا ربنا سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, فأول الأمر وآخره هو توحيد الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.