والأمر الثالث بعد الإخلاص لله تعالى وبعد طلب العلم هو: الصبر على ما يُبتلى به الإنسان في طريق دعوته إلى الله تبارك وتعالى، فإن الله تبارك وتعالى يقول:{وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَكَفَى بِرَبِّكَ هَادِياً وَنَصِيراً}[الفرقان:٣١].
هكذا مضت سنَّة الله، ألاَّ يبعث نبياً إلا وجعل له أعداء، وقد قصَّ الله -تبارك وتعالى- علينا في القرآن من ذلك، مما جرى وحدث مع نوح عليه السلام أو هود أو صالح أو إبراهيم أو لوط أو شعيب أو موسى أو عيسى أو محمد صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كل من حدثنا الله -تبارك وتعالى- عنه أو حدثنا عنه رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فلا بد أنهم وجدوا من يعاديهم من الملأ المستكبرين، ومن الجهال الأغرار، ومن المستهزئين، الذين لا همّ ولا شأن لهم في الحق، ولا يريدون الحق، وإنما غاية ما لديهم الاستهزاء والعبث والاستخفاف بكل من يدعوهم إلى الله تبارك وتعالى.
فهم يرون دلائل النبوة وآياتها واضحة جلية، ومع ذلك يُعرضون عنها ولا يبالون بها، ويستهزئون بأنبياء الله ورسله الكرام.
هذا في الأنبياء، فليتأسَ بذلك الدعاة، وليتأسَ بذلك كل من سار على منهاج النبوة.
وأعظم الرجال في هذه الأمة وأفضلهم وخيرتهم هم: الشيخان أبو بكر وعمر رضي الله عنهما.
ومع ذلك لو نقب الإنسان وقرأ في الكتب، ورأى في أحوال الأمة الذين ينتسبون للإسلام، لعجب كل العجب مما تقوله الخوارج والروافض والباطنية وأشباههم في حق هذين الشيخين الجليلين الصحابيين للنبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في حياته، وخليفتيه بعد مماته، فماذا تتوقعون أن يقال فيمن هو دون هؤلاء؟! فالواجب الصبر، والواجب أن يتخلق الداعية بأعلى درجات العفو والصفح والحلم والتجاوز، وألاَّ ينتقم لنفسه، وإنما يعلم أنه إن أصيب من سلطة مسئولية أو من كان ذا كبر وشأن عند الناس، أو سفيه جاهل متطاول، أو من قريب أو بعيد أو حتى من الزوج أو الابن، فكل ذلك إنما هو امتحان وابتلاء، فليصبر على ذلك ليرفع الله تبارك وتعالى به درجته وليثبته على الحق، وليكفر عنه من خطاياه.
فإن العبد المؤمن لا يأمن على نفسه أن يعمل عملاً، فتكون فيه شائبة لغير الله -عز وجل- أو يقصر في أمر أو يدعو الناس إلى طاعة ولا يأتيها، أو يضعف ويفتر عزمه فيها، فكل ذلك يحتاج إلى المكفرات، وهذه المكفرات هي من نعمة الله -تبارك وتعالى- على العبد، ومن ذلك كما قال له صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:{ما يصيب العبد من هم ولا نصب ولا حزن إلا كان كفارة لخطاياه} أو كما قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فيكفر الله تعالى عنه بهذه اللأواء وبهذه المصائب وبما يعرض له.
فلذلك لا يكرهها المؤمن ولا يحقرها، وإنما يحمد الله -تبارك وتعالى- عليها وعلى كل أحواله، وليجتهد في الدعوة إلى الله -عز وجل- على ما أمر الله {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ}[النحل:١٢٥].
هذا ما أردت أن أقوله، وكل ما قلته لا جديد فيه، أسأل الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أن يرزقنا وإياكم العلم النافع والعمل الصالح، وأن يجعلنا هداة مهديين صادقين خاشعين قانتين إنه سميع مجيب.