نقول هناك فرق بين التارك المطلق للصلاة، وبين الذي لا يحافظ عليها، فالتارك المطلق هو الذي لا يصلي أبداً، وهذا كافر لا ينبغي ولا يجوز أن نتنازع فيه.
أما المتهاون وهو: الذي ينام عن فريضة -مثلاً- ويؤدي فريضة، فهذا ليس بغريب أن نقول: إنه كفر في الفجر عندما لم يصل الفجر ثم جاء الظهر فصلى فأسلم، فهذه طبيعة وحالة ذكرها الله عن المنافقين وأنهم درجات، فمنهم المنافق المحض الذي لم يدخل الإيمان قلبه أبداً، ومنهم الذي نفاقه عن ضعف إيمان، فهو لم يصل وإن كان يسمى بالمنافق لكن لا يصل به الحال لأن يكفر؛ لكنه يصلي أحياناً ويترك أحياناً إلى أن يقرب من الخيط الرقيق الفاصل بين الإسلام والكفر، فهو يذهب مرة ويعود مرة إلى أن يقرب من حافة الكفر، ومرة يعود إلى دائرة الإيمان، فهذا حال واقع عند كيثر من الناس.
فرجل يصلي أحياناً ويترك أحياناً، فهو في هذا التأرجح بين الإيمان والكفر، فهذا نقول له: كن مسلماً حقاً وحافط على صلاتك، وإلا قد تموت ويأتيك الأجل وأنت في الخط الآخر وقد خرجت، فتموت كافراً، وليس هناك خاتمة أسوء من خاتمة الذي يموت على الكفر، ولا سيما وقد عرف الإيمان، وهو يأتي إليه أحياناً ويعود إليه إحياناً، فهذا نقول له: ابتعد ما استطعت عن دائرة الكفر بأن تحافظ على الصلاة في أوقاتها جماعة.
إن هذا الحال هو الذي قد يشكل، وقد يسبب نوعاً من الخطأ في الفهم أو في التصور، قال شَيْخ الإِسْلامِ: ' فأما من كان مصراً على تركها لا يصلي قط، ويموت على هذا الإصرار والترك فهذا لا يكون مسلماً؛ لكن أكثر الناس يصلون تارة ويتركونها تارة فيشتبه الحكم، فهؤلاء ليسوا يحافظون عليها وهؤلاء تحت الوعيد ' وهم الذين جاء فيهم الحديث الذي في السنن عن عبادة عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أنه قال:{خمس صلوات كتبهن الله على العباد في اليوم والليلة، من حافظ عليهن كان له عهد عند الله أن يدخله الجنة، ومن لم يحافظ عليهن لم يكن له عهد عند الله إن شاء عذبه وإن شاء غفر له} ' فبعض العلماء فهم من الحديث أن المقصود هو: من لم يحافظ عليها بالكلية وهذا فهم خطأ، والصحيح أن هناك فرقاً بين من لم يحافظ، ومن يترك بالكلية، فالأول تحت المشيئة والثاني كافر، وبهذا الجمع تتعاضد الأدلة في هذا الشأن.
لكن قد يعترض بعضهم بما قاله النووي وغيره من علماء الشافعية وأمثالهم فنقول: الخلاف موجود، وإنما نحن نريد بيان القول الراجح، وهو ما أجمع عليه الصحابة رضوان الله تعالى عليهم، وأما غيرهم فيقول شَيْخ الإِسْلامِ -رحمه الله وقد قرر ذلك في: الإيمان الأوسط بشكل أوضح-: 'إن هؤلاء الذين يرون أن تارك الصلاة ليس بكافر دخلت عليهم شبهة المرجئة ' وهذا الأخ الداعية الذي ذكرته سابقاً دخلت عليه شبهة المرجئة، وهي فصل القول عن العمل، بينما لا يمكن أن ينفصل القول عن العمل عند أهل السنة والجماعة فإذا وجد قول القلب التام المطلوب شرعاً، فإنه يستلزم عمل الجوارح بقدره، فمن كان عمل قلبه قوياً للغاية يقيناً، وإخلاصاً، وصدقاً، وانقياداً، فلا بد أن يصلي صلاة خاشعة، صادقة، منقادة يظهر في إيمان هذا القلب، ومن كان إيمانه أقل فإن صلاته وبقية أعماله كذلك، أما من لم يؤد الصلاة مطلقاً فهذا دليل على أنه لا إيمان في قلبه مطلقاً.
إذاً: هذا حكم التائب الذي تاب وقد ترك الصلاة؛ أن ننبهه ونذكّره بأن عليه أن يصلي، ونذكره بالله، وأنه لا يجوز له أن يترك فريضة من فرائض الله لأنه سيكون بهذا كافراً، ونقول له: يجب عليك أن تعيد، أو أن تقضي ما فات من الصلوات.