يقول عز وجل:{يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها}، فهذا هو النداء العاشر، والخاتمة المهمة التي يجب أن ينتبه لها كل المخلوقين.
{يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم ثم أوفيكم إياها، فمن وجد خيراً فليحمد الله} فالفضل لله، لأنه هو الذي هداه وأنعم عليه، وغفر له واجتباه، ووفقه لطريق الخير.
ثم قال:{ومن وجد غير ذلك، فلا يلومنّ إلا نفسه}، لأن الحجة قد قامت عليه، ولأن الإعذار قد أتاه، والنذير قد جاءه، وأياً كان هذا النذير، فقد جاءه النذير، وقد رأى الآيات البينات وما عصى إلا على بينةٍ وعلم:{فلا يلومن إلا نفسه}.
فاللوم حينئذٍ يتوجه إلى ذلك العبد وإلى نفسه الأمارة بالسوء، وليس إلى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وليس إلى المقادير، كما يفعل ذلك الكفار:{قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا}[المؤمنون:١٠٦]، فهذه العلل وهذه الأعذار لا تنفع حينها.
ولهذا قال من قال من السلف: والله لأجتهدن، ثم لأجتهدن، فإن كان الذي نرجو فالحمد لله، وإن كان غير ذلك، قلت: قد اجتهدت وقد فعلت، ولم ينفع ذلك، ولا نقول:{رَبَّنَا أَخْرِجْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً}[فاطر:٣٧]، فكان السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم يعلمون هذه الحقيقة، ولهذا اجتهدوا وبذلوا جهدهم كله، واستفرغوا أوقاتهم وأعمالهم وطاقاتهم في رضى الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى، وفي طاعته، وفي اجتناب معصيته سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فكانوا هم العباد حقاً.
فهذا الحديث قد سقناه، وشرحناه شرحاً موجزاً، راجين من الله -سبحانه وتعالى- أن يمنَّ علينا بالإيمان والتقوى، وبالتدبر لهذا الحديث ولأمثاله، مما خاطبنا الله تبارك وتعالى به في القرآن الكريم أو في السنة النبوية، وما خاطبنا به النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فذلك مما فيه حياة قلوبنا وسعادتنا في الدنيا والآخرة، وفيه الخير والفلاح، لنا في هذه الحياة وفي الحياة التي نرجوها عند الله تبارك وتعالى.