كان النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يفاضل بين أصحابه بالقرآن، وكذلك في قيادة الجيش، وفي إمامة الصلاة، يتفاضلون بالقرآن لأنهم عاشوا في مجتمع أو جاهلية جهلاء، وعرفوا نكدها وشقاءها، ووثنيتها وشركها، ولما جاءهم فضل القرآن أحسوا بقدر النعمة، وعرفوا قيمته, وتمسكوا به، فكان ربيعاً لقلوبهم، وجلاءً لأحزانهم، وذهاباً لغمومهم.
فكانوا يلجئون ويهرعون إلى القرآن والصلاة، وإلى قراءته في الصلاة، أو في غيرها؛ إذا حزبهم أمر من الأمور، كما ثبت ذلك عن النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكما كان أصحابه من بعده، كانوا يستعينون بقراءته، فتذهب همومهم وأحزانهم، والتي هي هموم في سبيل الله عز وجل، وفي الدعوة إليه، فما بالكم بقلوبٍ همومها في الدنيا، وأحزانها للدنيا؟! فهي أحوج إلى أن تذهبها, وأن تجلي من صدئها بكتاب الله عز وجل.
فإذا التحقت بمدرسة تحفيظ القرآن، فاحمد الله، واعلم أن الله يختبرك في أمر عظيم، فإما أن تكون طالباً تستحق حفظ كتاب الله، وإلا فإنها فتنة وستسقط في ذلك الامتحان، وإذا كنت مدرساً لتحفيظ القرآن، فإن هذا يجعلك تستشعر هذه المسئولية، وإلا فالمدرسون كثير والمدارس كثيرة، فلماذا أنت في تحفيظ القرآن الكريم؟! إذاً هناك أمر عظيم، هناك اختبار من الله عز وجل لك، فإما أن تكون من أهل القرآن وحملته، وإما أن تخفق -عافنا الله وإياكم- فيكون أشد وأعظم بلاء من ذلك الذي يأخذ أجراً على عمل يقوم به لغير كتاب الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى.
فهذا القرآن يوجب على كل واحد منا أشياء: فالحاكم يوجب عليه القرآن أن يقيم حدود الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى من خلاله، وعلى المربي أن يربي الشباب عليه، وأن يكون بين ناظري الأب ليقوم به في بيته وفي أسرته، وأن يكون موضع اهتمام الابن ليحفظه ويتعلمه، وكل منا مخاطب بهذا القرآن، وكل العالمين مخاطبون به أيضاً، ولكن مسئولية من تصدَّر لتعليمه ولتحفيظه كبيرة، وكذلك الأجر الذي يحسب له بإذن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى كبير إذا قام بواجب هذا القرآن وعلمه وحفظه، وخرج من تحت يديه جيل يصح أن يسمى جيلاً قرآنياً، كما كان أصحاب النبي صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.
هذه المهمة وهذا هو الواجب الذي يستشعره الإنسان مع فرحته وشعوره بأنه يعيش في جو يزكيه ويطهره بتلاوة كتاب الله عز وجل، إلا أنه يجب علينا أن نستشعر المسئولية، وأن نذكر أنفسنا أولاً وإخواننا ثانياً بعظم هذه المسئولية الملقاة على عواتقنا، وأن نتوكل على الله عز وجل، ونعرف قيمة هذا القرآن، وندعو إليه، ونعمل به، ونحيي قلوبنا بذكر الله، فإن الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قد تكفل لمن قام بهذا القرآن وعمل به ودعا إليه، أن ينصره في الدنيا والآخرة، قال تعالى:{إِنَّا لَنَنْصُرُ رُسُلَنَا وَالَّذِينَ آمَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ يَقُومُ الْأَشْهَادُ}[غافر:٥١] فلا طريق إلى النصر، ولا إلى الفلاح والنجاح والسعادة إلا بالقرآن، نسأل الله أن يجعله ربيع قلوبنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا، إنه سميع مجيب.