وقال: 'إن المؤمن أسير في الدنيا يسعى في فكاك رقبته لا يأمن شيئاً حتى يلقى الله عز وجل' كما جاء عن بعض الصحابة رضوان الله عليه [[لو وضعت رجلي اليمنى في الجنة لما أمنت حتى أضع اليسرى]] فالمؤمن أسير في هذه الدنيا يسعى في فكاك رقبته، فمثله كمثل العبد المكاتب الذي كاتب سيده على أن يدفع له كذا وكذا لعتقه, فكل همه أن يجتهد ليعتق رقبته, فالمؤمن هذا حاله, كل همه في الدنيا هو الاجتهاد ليعتق رقبته من النار, ليخرج من هذا الأسر, ومن الذي أسرنا فيه؟! كما قال ابن القيم رحمه الله:
ولكننا أسرى العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم
فالذي أسرنا وأنزلنا وأخرجنا إلى هذا التراب هو عدونا اللعين إبليس, عندما دعا إلى الشهوة وإلى المعصية, فكان ما كان مما قضى به الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وقدَّره، فجاء الإنسان في هذه الأرض ليبُتلى وليُختبر وليمُتحن، كما قال تعالى:{إِنَّا خَلَقْنَا الْأِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً}[الإنسان:٢ - ٣] فهذا امتحان وابتلاء من الله سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى, وهذا الأسر إنما وقعنا فيه بسبب هذا العدو، فبالله! هل هناك عاقل في هذه الدنيا يأسره عدوه ويوثقه ويكتفه ويجعله في دار هوان ومذلة, بعد أن أخرجه من دار نعمة وكرامة, ثم يطمئن إلى هذا العدو ويصدقه ويحبه ويواليه؟!!! والله لا يفعل ذلك عاقل أبداً! ومع ذلك فهذا حال أكثر الخلق, فأكثر الناس اليوم منقادون وراء هذا العدو، وراء شهواته التي يزينها وراء غروره الذي يأتي به وراء أمانيه ووعوده! {يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ}[النساء:١٢٠].
فالشيطان يأتي بالأماني البعيدة الزائلة التي لا خير فيها؛ ليصرف الإنسان عن واجب مما افترضه الله تبارك وتعالى عليه أو ليوقعه في شيء مما حرمه الله تبارك وتعالى عليه.