قد أبرزوا ذلك كما في "رؤيا يوحنا" أو رؤيا دانيال وأشباهها، وظهر ذلك جلياً في أثناء الحرب بينهم وبين العراق التي يسمونها حرب الخليج، لكن حرب الخليج حربان، فالمقصود الحرب الأخيرة، والتي أظهروا فيها الأساطير والنبوءات؛ حيث ظهرت ظهوراً عجيباً في تلك الأيام، وأظهروا فيها مكرهم، وعندما أظهروا كيدهم ومكرهم وما في أنفسهم من حقد وتولى كبره التدميريون، والإنجيليون والأصوليون الذين يؤمنون بحرفية ما في هذه الكتب فقالوا: إن هذا العالم الإسلامي هو الخطر وهو مصدر الشر كما قال أولئك، وأن المسلمين هم الوثنيون الذين لابد أن يُدمَّروا، وأن هذه الحرب ستكون تمهيداً لنزول المسيح عليه الصلاة السلام، وأنه إذا نزل يُرفع المؤمنين به -وهم النصارى- إلى السحاب، ولا يبقى إلا الوثنيون -أي: المسلمين- ثم يُدَمَّرون تدميراً كاملاً.
وقالوا: إن ما ورد في رؤيا يوحنا من النار المتقدة بالكبريت -أي: الحرب النووية- التي سوف تستخدم في الحرب، فهم أظهروا هذا الكلام حتى قبل أن تنشب الحرب، وهيئوا أذهان الناس في أمريكا وغيرها لقبول خيار الحرب، وأنه لابد من الحرب حتى لو انسحب العراق، ولا بد من تدمير هذه القوة، وأن " بابل الزانية" التي يكثر ذكرها في كتبهم هي هذه بابل، فـ العراق لا بد أن تضرب، ولا بد أن تدمر.
وهناك عوامل غير ذلك، فـ الصهيونية واليهود يستخدمونهم ويسخرونهم لمآرب لهم تلتقي مع أهدافهم، لكنهم أرادوا بهذا تدمير العراق وإخضاعه، وهذا هدف مبدئي قريب، ولكنهم إنما يريدون -أصلاً- تدمير العالم الإسلامي، وأن يكون هذا نموذجاً له.
فالنموذج لديهم إما أن يكون الخميني: العنف والإرهاب والدموية، وإما أن يكون القذافي: الإرهاب واستئجار كارلوس.
وإما أن يكون صدام أو غير صدام فيقال: هذا هو الإسلام، وهذا هو الجهاد المقدس قد أعلنه صدام، فيجب أن نقضي عليه.
فأية فرصة تسنح لهم فإنهم ينتهزونها ويستغلون الأحداث لإبراز أن الإسلام هو العنف والدموية والإرهاب وسفك الدماء، والعدو الذي يجب أن يقضى عليه.
فعندما كان الرمز هو الخميني، كان صدام بالنسبة لهم هو المُحِق المصيب أو المظلوم في هذه الحرب الذي يطالب بإيقافها من طرف واحد، وهو عادل ومنصف، وهو الذي استجاب لمطالب الأمم المتحدة في هذا، فهو مع الشرعية الدولية.
فلما أرادوا تحويله، إذا به هو المجرم والدكتاتور والسفاح وصاحب بابل الزانية، وكل لقب من الألقاب الشنيعة، وهو الوحش لأن في رؤيا يوحنا وحشاً، وهو النبي الكذاب إلى غير ذلك، فهم أوّلوا كل التأويلات عليه.
إذاً عندنا إنجيليون حمقى يؤمنون بهذا الكلام حرفياً، ويتأولون بالأهواء وعندنا الساسة الخبثاء الذين يستغلون ما في النصوص ويستغلون كلام الإنجيليين لأغراض وأهداف، وكل هذه الأهداف والأغراض تلتقي على تدمير هذه الأمة وتجميع القوى وتهيئة أذهان الشعوب الغربية؛ لتصدق أن هذه الأمة هي العدو الذي لابد أن يُقضى عليه قبل أية مشكلة من المشاكل التي يعاني منها الغرب.