ثم ذكر ابن القيم رحمه الله في قوله تعالى:{أَفَغَيْرَ اللَّهِ أَبْتَغِي حَكَماً وَهُوَ الَّذِي أَنْزَلَ إِلَيْكُمُ الْكِتَابَ مُفَصَّلاً}[الأنعام:١١٤] قال: وهذا هو النوع الثالث من أنواع الرضا.
وهو أن يرضى بالله وحده لا شريك له حكماً، فيتحاكم ويحاكم إليه، في كل شأن من شئونه، فتراه يحتكم إلى ما أنزل الله تبارك وتعالى في كتابه، وإلى ما جاء به رسوله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وعلى هذا كانت درجات الرضا ومقاماته.
وتقسيم مراتب الرضا، هو بحسب تحكيم العبد لما أنزل الله، ولما جاء عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ في أصول الدين وفي فروعه، وفي معاملاته مع الناس وفي كل شأن من شئون حياته، سواء أكانت أُمةً، أم دولةً، أم أفراداً، فلا بد أن يكون التحاكم والرجوع هو إلى الله تبارك وتعالى وإلى ما أنزل، كما قال الله تبارك وتعالى:{فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً}[النساء:٦٥].
ثم إن ضد الرضا هو: المنافاة، والمعارضة، والاعتراض، والمدافعة، والمنازعة، والممانعة، فلو تأملنا في هذه الآية الكريمة لوجدنا أنها تبين مراتب الرضا، ودرجاته التي بها ينتفي كل منازعة، ومعارضة، فهي تبدأ أولاً بالتحكيم، وتنتهي بالتسليم.